محمدعباس ناجى للدكتورعدنان الجفرى
د. عدنان الجفري ـ محافظ عدن ـ وثمن الحقيقة؟
عرفت الدكتور/ عدنان الجفري في مطلع الثمانينات من القرن الماضي ضابطا شابا جميل الخليقة والخُلق. وازدادت معرفتي به عمقا بعد حرب احتلال الجنوب عندما تم تعيينه نائبا لمدير الدائرة القانونية بوزارة الدفاع. لكن ذلك التعيين جعله يعيش أوضاعا لا يحسد عليها, فقد احرمه مدير الدائرة القانونية من كل حقوقه بما فيها المقعد الذي سيجلس عليه ( الكرسي) فكان بين الفينة والأخرى يزورني لنرتشف الشاي معا. وذات يوم تحدثت مع اللواء الركن/ عبدالله علي عليوة الذي كان حينها رئيسا للأركان العامة عن معاناته, فكان رد عليوة كعادته لطيفا(( يا بني هذه هي الأوضاع....)). فعمل الجفري على نقل عمله إلى جامعة عدن ليعمل مدرسا فيها.
في نفس هذه الفترة تم تعيين مديرا لدائرتنا احد الضباط من أبناء الجنوب, فلفت انتباهي تخلصه المستمر من ضباط الجنوب بإحالتهم إلى التقاعد قسرا, وكان من أول ضحاياه الدكتور/ علي صالح الخلاقي, الذي لم يمض على تخرجه من روسيا عدة أشهر ولم تتجاوز خدماته الـ 20 سنة وبرتبة رائد(ونهمس في إذن صديقنا الخلاقي أين أنت يا دكتور الجنوب بحاجتك؟) أما الضحية الأخرى فكان الدكتور/ عبده المعطري, الذي كان ما يزال يواصل دراسته, وغيرهم كثير. وذات يوم سألت هذا المدير الجنوبي عن سبب تصرفاته تلك. فقال لي بالحرف الواحد (( بقائنا مرتبط بتصرفنا الحازم مع الجنوبيين)). وعندما لم يجد حجة للتخلص مني اتهمني بالإساءة للرئيس علي عبدالله صالح وبنشر كتب معادية للوحدة. وبعد تحقيقات مريرة تمت إحالتي إلى دائرة شئون الضباط كقوة فائضة حتى اليوم. وكان (محقا) هذا المدير الجنوبي، فممارساته تجاه الجنوبيون تتوافق مع رغبات سلطات صنعاء وضمنت له البقاء في منصبه حتى اليوم رغم أن خدماته في الجيش توازي سنين عمري كاملة.
في الانتخابات النيابية عام 2003م رشح الدكتور عدنان نفسه ونجح بفضل شعبيته في عدن. ثم أصبح وزيرا للعدل, ثم وزيرا للشئون القانونية. وخلال هذه السنوات لم التق به إلا أثناء ذهابي لتعزيته بوفاة ولده رحمه الله في حادث مروري. وعندما كنت في مواجهته مودعا أراد الصديق جلال عبدربه منصور هادي أن يعرفه بي, فقال الجفري : حرام عليك تعرفني بصديقي.
ولأنه كان ما يزال يحضا باحترام كبير في عدن وكانت الأوضاع في الجنوب قد بداء أوارها يتوهج اشتعالا بفضل الثورة لسلمية الجنوبية.أرادت سلطات صنعاء إسكات هذه الثورة من خلال ما أطلقت عليها انتخابات المحافظين. التي كانت في الأصل انتخابات صورية. فحينها زجت بالدكتور عدنان الجفري كمرشح لمحافظة عدن عاصمة الجنوب التاريخية والسياسية. وبالفعل علق عليه كثير من سكان عدن بشكل خاص والجنوب بشكل عام أمالا في إصلاح الأوضاع في عدن. ولكن مثل هؤلاء في الحقيقة كانوا ممن لا يدركون خفايا طريقة الحكم المتبع من قبل سلطات صنعاء. أما هو في اعتقادي كان على بينه منها وعمل بما هو متاح.
الدكتور/ عدنان مثل غيره من أبناء الجنوب ومن كل محافظات الجنوب بما فيهم محافظ محافظتنا ( الضالع) اللواء الركن/ علي قاسم طالب. الذين يشاركون في السلطة خدموا سلطات صنعاء بقصد أو بدون قصد, فتواجدهم الصوري في السلطة أعطاء ويعطي لها الشرعية في استمرار احتلالها لوطنهم. وبالمقابل لم يستطيعوا أن يدافعوا عن ابسط حقوق شعبهم. ومع ذلك نستطيع القول أن الدكتور عدنان الجفري تحسب له بعض المواقف التي وصلت إلى مسامعنا, وقد يكون ذكرنا لها تجعله في موضع شك من قبل سلطات صنعاء,التي هي عادة تشك بكل جنوبي مهما اخلص لها. فلهذا نطلب منه المعذرة مقدما على ما قد يلحق به. ومن هذه المواقف:
أولا: هذا الرجل لم نسمع في كلماته وخطاباته وتصريحاته ما يجرح مشاعر الجنوبيين. مثل اتهامهم بالعمالة والخيانة.... الخ من المصطلحات التي سمعناها مع الأسف من نائبه الأخ عبد الكريم شائف الذي احتل الصدارة في القنوات الفضائية وهو يوصم الحراك الجنوبي بكل الأوصاف التي لا تمت للحقيقة بصلة. بينما ممارسات هذا الرجل كانت واحدة من أسباب اشتعال الثورة السلمية الجنوبية.
ثانيا: عندما ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة الهاشمي الدامية بحق شعب الجنوب في الأول من سبتمبر 2008م وباعتباره رجل قانون ويعي حقوق الشعوب في التعبير عن حقوقها. أدلى بتصريح تاريخي ونشرته صحيفة الأيام حينها عبر فيه عن رفضه لاستخدام السلاح ضد المظاهرات السلمية وقام بزيارة الجرحى إلى مستشفى النقيب وتكفل بعلاجهم.
ثالثا: في اعتقادنا أنه بعد وجوده لعدة سنوات كمحافظ لعدن أدرك حقيقة الأوضاع التي تعيشها هذه المحافظة كرمز للجنوب مع أن أخواتها من محافظات الجنوب أكثر بؤسا. فقد نشرت صحيفة أخبار اليوم الرسمية اليومية الصادرة في صنعاء بتاريخ 27 سبتمبر 2010م مقتطفات من كلمته جاء فيها(( كفى شعارات.. يجب أن ينظر لعدن كمدينة تجارية وليست عاصمة اقتصادية.. إن قيادة المحافظة تتطلع إلى أن تكون عدن عاصمة تجارية وأن ترفع عنها الضرائب والجمارك. حيث ترفد خزينة الدولة بنحو 40 مليار ريال( سنويا) إنه إذا تم تمكين عدن من هذه الموارد المالية فإنها ستتمكن من الانتعاش خاصة في المجالات التجارية والاستثمارية والخدمية... إننا نسمع شعارات منذ 20 سنة على أن عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية إلا أن هذه الشعارات خاوية من مضمونها. فما زالت عدن تعيش حالة متردية خاصة في مجال الخدمات نتيجة لزيادة الهجرة إليها من المحافظات الأخرى والتي تزيد المحافظة عبئا كبيرا من خلال تنفيذ المشاريع الخدمية)).
لم يقل الدكتور عدنان الحقيقة كاملة عما تعيشه محافظة عدن والجنوب بشكل عام. وقد يكون تجرءا وقالها كاملة, ولكن الصحف الحكومية لم تنشرها. ومع ذلك بينت هذه الكلمات: أن سلطات صنعاء التي ظلت طوال 20 سنة دائما تقول أن معظم المشاريع في الجنوب, وأن عدن عاصمة اقتصادية وتجارية إنما تروج لأكذوبة بشعة, مضمونها كبير وحقيقتها خاوية, فثروات الجنوب من النفط والاسمنت والأسماك والزراعة .. الخ كلها تنهب إلى الخزينة في صنعاء. وأصبحت صنعاء تعمر على حساب عدن.
والأهم من ذلك هو فضح سياسات سلطات صنعاء الهادفة إلى تغيير التركيبة السكانية في الجنوب وخاصة في العاصمة عدن من خلال تسهيل توطين رعاياها بصرف لهم المنشات الجنوبية كمساكن ومنحهم الأراضي بصورة مجانية والقروض دون فوائد لبناء مساكن لهم في الجنوب.بالمقابل أثقلت كاهل شعب الجنوب بالضرائب والجمارك ودفع الرشاوى في المعاملات وحرمانه من الوظائف العامة والتوكيلات التجارية. فهنا أصبح شعب الجنوب يصرف على شعب الجمهورية العربية اليمنية.
هذه المواقف الصادقة التي قالها الدكتور عدنان الجفري مع أننا على يقين أنها تشكل النزر اليسير من الحقائق عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها شعب الجنوب قد تكون السبب وراء نشر المواقع الالكترونية التابعة لسلطات صنعاء في الأسابيع الماضية لبيانات أصدرتها جماعات تكفيرية في عدن أطلق عليها( شباب عدن الغيورون) وتتهم فيها الدكتور عدنان الجفري بأنه يحمي الفسق والدعارة في الفنادق وسمح لهذه الجماعات بالتجمع أمام فندق عدن. ولم تحرك القوات الأمنية ساكنا. فهذه الحملة التكفيرية ضده قد تكون إذانا بتصفيته جسديا . لا سمح الله . أو قد تكون في أحسن الأحوال مقدمة لإزالته من منصبه.
المواطن الجنوبي/ محمد عباس ناجي.
--
ابوسهيل
تعليقات
إرسال تعليق