نقطة الإنهيار .. قضية اليمن الجنوبي
بتاريخ 31/10/2011م – عدن نقطة الإنهيار .. قضية اليمن الجنوبي
هكذا عنونت تقرريها الحديث " مجموعة الأزمات الدولية " فجزيل
الشكر والامتنان لها . أما ما نود قوله فيندرج في السياق ذاته وللغاية
بعينها ، واستجابة لما تحث عليه وترمي إليه ، ولمزيد من الشفافية
والإيضاح وبعيداً عن الرمي والتحامل أو التجني على الحقائق ودون
الاستخفاف بعقول المتلقين .
ثمة من اعتقد عند بدأ ظهور واستفحال وتفجر الأزمة السياسية
والأمنية بين صنعاء وعدن منذ عقدين وما زالت على أشدها ، إنها وليدة حدث
الوحدة السياسية السلمية الطوعية الاندماجية التي بموجب دستورها
واتفاقياتها وبيان إعلانها في 22 أيار / مايو 1990م اندمجتا معاًَ
جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في دولة
واحدة ( الجمهورية اليمنية) وليس ( اندمجت ج.ي.د.ش مع جارتها الشمالية
ج.ع.ي ) كما ورد في ترجمة التقرير ، وردوا ذلك إلى العيوب التي رافقت
تحقيقها وإلى النواقص والثغرات التي اكتنفت دستورها واتفاقياتها ، وذهب
آخرون إلى القول أنه بسبب اختلاف ثقافتي نظام الحكم وغيره مع أن تلك
الأمور ثانوية ومرجحة ووارده ومتوقعه في أي تجربه إنسانية أو اجتهاد ومن
السهل تسويتها إذا ما صدقت وخلصت النوايا .
إن الممارسة والسلوك وحدها هي من أجابت على هذه التساؤلات
وغيرها حيث كشفت أنها أبعد من ذلك بكثير ، وإن العلة برمتها كانت كامنة
في نوايا صنعاء المبيتة والدفينة والعدوانية وتجلت بأبشع وأسوء صورها في
أقوالها وأفعالها وسلوكياتها وسياساتها الخرقاء وكما هي بارزة وثابتة على
الأرض وتتحدث عن نفسها ، ومحتقنة بشده في نفوس الناس ومحفورة في ذاكرتهم
الجمعية فيعبرون عنها بتلقائية ومرارة ووضوح شديد في ردود أفعالهم
السلمية .
إن معول الهدم الذي رفعته صنعاء بكلتا يديها وعلى مدى
تاريخها يتمثل بأسطورة الفرع والأصل ، والهوية الجهوية (
يمنات ) ، والواحدية والأمومة والتقديس ، وبجعجعة الأسطوانة المشروخة
التي ما زلنا بكل أسف نسمعها إلى اليوم - الوحدة أو الموت ، والدفاع
والحفاظ عليها وتثبيتها بدماء وأرواح الجنوبيين وثروات الجنوب ، وبإلصاق
نزعة الانفصال بالجنوبيين زوراً وبهتاناً وكيل تهم الخيانة العمالة
جزافاً ، والطعن بوحدويتهم وعروبتهم وعقيدتهم وأصالتهم وامتهان كرامتهم
وسلب حقوقهم الطبيعية والشرعية والقانونية واغتصاب إرادتهم واستغلال
حاجتهم المعيشية والإنسانية وباستخدامهم في حروبها الداخلية وضد بعضهم
بعض وغيره حتى إنها قتلت بهذا المعول ذلك الحلم الجميل الذي كان يتطلع
إليه كلا البلدين والشعبين الشقيقين والجارين وصار أثراً بعد عين وفي حكم
المؤكد رميم وفي ذمت التاريخ حقيقه ، وجحيماً وجرحاً وألماً وفتنه .
وأثبتت الأيام إن صنعاء اتخذت من تحقيق الوحدة مع دولة
الجنوب ( ذريعة ) لابتلاعه ، ( وغطاء ) لإخفاء تلك النوايا السوداوية ،
وظهر للملا إنها اتخذت قرار وموقف مبكرين لإفشال وعرقلة تنفيذ اتفاقيات
الوحدة وتعطيل العمل بدستورها كما أكده الشيخ عبد الله الأحمر في مذكراته
المنشورة ، ثم اتخذت قرار الحرب المقترنة بفتوى التكفير والاستباحة
الشاملة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث والمعاصر وكل ذلك بهدف
إفراغ الوحدة من محتواها ومضمونها السياسي وإسقاط شرعيتها واتفاقياتها
وهو ما تم بالفعل وليس بمقدورها اليوم دحضه أو تبريره ، ثم عملة منذ 7
تموز / يوليو 1994م بعد أن حطت الحرب أوزارها وانتصرت بها صنعاء وجعلت من
ذلك اليوم عيداً تحتفل به سنوياً حتى وهي تحتضر هذا العام ، وفق برنامج
هدف إلى استئصال الجنوب – كدولة وشعب وهوية وتاريخ وكجغرافية وامتصاص بشع
وعنيف لخيراته ومقدراته وعلى نحو يلغيه تماماً .
وليس هذا وحسب ، بل وصلت بها الهمجية والعدوانية إلى حدود
أللامعقول واللامقبول حيث اتخذت من الجنوب ( كوطن ) ورقة وسلعة للمساومة
والمقايضة به في النزاعات والخلافات العربية – العربية والإقليمية
والدولية وفي تسوية خلافاتها ونزاعاتها الخارجية والداخلية وحولت الجنوب
إلى مأوى ومرتع وملاذ آمن للقاعدة والإرهاب المستجلب والدخيل على الجنوب
والجنوبيين وثقافتهم واتخذت منها شماعة وبعبع للارتزاق والابتزاز وتغطية
أفعالها المشينة ضد شعب الجنوب وكل ذلك بهدف إبقاء ملف الجنوب معلق
ومسكوت عنه والسكوت عما يدور ويجري ويعتمل فيه من خراب ودمار وانتهاك
وجرائم ترتقي إلى مستوى الإبادة والمحرمة وضد الإنسانية .
وإجمالاً فإن صنعاء وقعت على الوحدة مع عدن ونكثت بالعهود
والمواثيق المشهودة وانقلبت عليها وحولتها إلى وحدة وطنية بالنار والحديد
و ذبحتها من الوريد إلى الوريد وسلختها حتى العظم ، وادعت بالدفاع
والحفاظ عليها لتبرير حربها العدوانية وفتاوى التكفير والاستباحة الشاملة
للجنوب ، وادعت بالوحدة والواحدية ومارست الانفصال بعينه وشينه وكرسته في
الواقع والنفوس والعقول ، وبالدولة والنظام والقانون فسلكت وأرست ثقافة
القبيلة وأعرافها وبالديمقراطية فمارست الاستبداد ، وبالتعددية واستأثرت
بالسلطة والقوة والثروة حتى الثمالة وبالجمهورية ودخلت الملكية والتوريث
من أوسع أبوابها وتناست إنها متحدة مع دولة الجنوب ، وبقيم الإسلام
النبيلة والديمقراطية والإنسانية فقتلت شعبها في وضح النهار منذ 10 أشهر
واستبدت به 33 عاماً وفتكت بشعب الجنوب منذ عقد ونيف نهاراً جهاراً وطعنت
بوحدويته وأصالته وعقيدته وعروبته وهويته وثبت العكس تماماً ، وتعترف
بالقضية الجنوبية على استحياء فترفض حلها مع الجنوبيين ، وبالحرب وأزمة
الوحدة ضمناً وتتمسك بنتائجها الكارثية والغير مشروعه وبشرعيتها الباطلة
من عدمه ، وتشكو من الإرهاب فتحتضنه وتغذيه وتمارسه ، ومن الفساد فتزيده
إفساداً ومن المفسدين فتزيدهم حضوه وتكريماً وهكذا دواليك وبالمثل
المعارضة على نفس الشاكلة ونمط ومنهج السلطة تذرف دموع التماسيح على
الوحدة وأشتركت في ذبحها وسلخها وتكفكف دموع الفرح قبل أن تصل إلى السلطة
وعلى حساب الحراك وثورة الشباب .
وعندئذ هذه هي صنعاء ( سلطة ومعارضة ) – كنظام وطبيعة وثقافة
ومله ، وهذه هي نواياها مكشوفة ومفضوحة ، وهذا هو موقفها من الوحدة
ومشروعها السياسي – الحضاري ومن أهدافها الإنسانية والأخلاقية التي وجدت
من أجلها ومن مضامينها التي قامت عليها ، وهذه هي النتائج الكارثية التي
صنعتها وخلفتها صنعاء بأيديها ومحض إرادتها ، وهي وحدها من عبثت بها
وبمشاعر وعقول الشعبين فحولتها إلى جحيم وجرح دام ومفتوح وموغل في نظر
وأذهان ووجدان شعب الجنوب قاطبة وإلى غنيمة وفيد وشر مستطير في عقول
ونفوس شعب الشمال بأسره بذلاً من جعلها خياراً جذاباً وآمناً ومستقراً
ومزدهراً لخير ومصلحة البلدين والشعبين ، وأنموذجاً لدول وشعوب المنطقة
وعنصر استقرار وسلام في الإقليم والعالم ، وهي أيضاً من تنصلت عن
التزاماتها للمجتمع الدولي وتمردت على قراري الشرعية الدولية ( 924-931)
لسنة 1994م التي ما زالت سارية ومعطلة لكنها لم ولن تسقط بالتقادم ولا
زالت هذه القضية قيد النظر بموجبها حتى الساعة .
وبالتالي أين هي الوحدة حتى يتم الحديث عنها مجدداً أو عن
أيتها صيغة من صيغها يمكن عرضه وبحثه في ظل هكذا حال مأساوي ومزري للغاية
، وفي ظل وضع غير طبيعي بالمطلق من الوجهة الشرعية والقانونية والأخلاقية
والإنسانية ، ومن وجهة ونظر القانون والشرعية الدولية ، وخارج حدود ومحيط
الوحدة السياسية المتفق عليها بين الطرفين ، بل وحتى خارج دائرة الوحدة
المتعارف عليها في التجارب الإنسانية ؟ .
ثم ما الذي بقي مع الجنوبيين – كنخب وكشعب حتى يتحدثون عنه
ويتباحثون حوله مع صنعاء أو غيرها ووطنهم مختطف من قبل صنعاء وإرادتهم
أسيره بيدها وسجونها وشرعيتها ، ومصيرهم وقدرهم رهينة بأيدي وضمائر
المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية والعربية والخليجية ومع ذلك لا
زالوا يتعشمون فيها وبالضمير الإنساني وبالدرجة الأولى بأيدي الجنوبيين
بأنفسهم ، وبأيتها مرجعيه شرعية أو قانونية أو أخلاقية وإنسانية يمكن
الاستناد إليها والعمل بموجبها ؟
وكذلك هل بالإمكان تجاوز وتجاهل الآثار ( المادية ) الجسيمة
والمضرة للغاية بمصالح شعب الجنوب وحاضرة ومستقبل أجياله القادمة ، (
والنفسية ) البليغة والموجعة المترتبة على هذه الحرب ونتائجها الغير
مشروعة ومن جراء الاستباحة الشاملة للجنوب وما تلاها من اغتصاب للأرض
والثروة والاستيلاء والمصادرة والنهب المنظم والممنهج على مدى عقد ونيف
ومن عمليات القتل والتنكيل والبطش والانتهاك ؟ .. وإذا كانت الإجابة
(بنعم) فكيف وبماذا ؟ .
إن الحياة وحرية الإنسان والأوطان هبة إلهية ومقدسة وثابتة
في جميع الديانات السماوية ، وحق البقاء ، والدفاع المشروع ، ومنع التوسع
العدواني ، وحق تقرير المصير باعتباره حق قانوني وليس سياسي يمكن إهماله
وواحد من أهم حقوق الإنسان بل وواحد من قواعد القانون الدولي اللازمة ،
واندماج ونقصان سيادة الدولة لا يعني بأي حال من الأحوال انتزاع هذه
الهبة المقدسة أو مصادرة هذه الحقوق الأصلية والثابتة واللازمة كما
اعتقدت صنعاء وتصر على ذلك . كما أن الأوطان ملك للشعوب ولجيل بعد جيل
ينتفع بها فقط ولا يجوز لدولها أو لأي جيل من الأجيال التصرف به لذلك لا
يجب أن يغيب هذا وغيره عن الأذهان وبالتالي فإن الأولوية المطلقة يجب أن
تعطى لمثل هكذا حالة إنسانية مأساوية ومزرية ولمثل هكذا وضع غير طبيعي
ألبته ، وإن السكوت عن هذا الحال والوضع يشكل سابقة خطيرة للغاية في
تاريخ وسجل الأمم المتحدة الحديث والمعاصر والتجارب الإنسانية في هذا
المضمار .
وخلاصة القول فإن محور الخلاف بين الطرفين ( الجنوب والشمال
) يتمحور حول طبيعة وماهية وأسباب وخلفيات ومرتكزات ومقتضيات وأطراف
وآلية هذه القضية وشرعية حلها وهو ما ينبغي تصويب الأنظار وتسليط الأضواء
عليه وحث الطرفين وتشجيعهما بالاتجاه نحوه دون مكابرة أو مبالغة أو تلكئ
باعتبارها الخطوة الأولى ولتقريب وجهات النظر والدفع باتجاه اتخاذ مواقف
بناءه وحثيثة ومتتالية – لأن هذه القضية ( موضوعية ) ولا بد من النظر
إليها كما هي في الأصل وكما هي في الواقع اليوم ومنذ 7 يوليو 1994م ،
وكما هي محتقنة في وجدان الناس وحاضره في أذهانهم لكي تتحقق الموضوعية
والنزاهة وتتوفر الاستجابة والإرادة الكافية وبدون تحقيق هذه العلاقة
اللازمة والمتكافئة يبقى الحديث عنها مجرد ترف وإطراء وعن حلها محض سفسطه
و هنا تكمن العلة والخطورة معاً.. هذا أولاً .
ثانياً : أتصور ، ومن واقع الحياة والمعاصرة إن الأمر يقتضي
في مثل هكذا أزمة مركبة ومعقدة وظروف استثنائية إن على الدول والمجتمع
الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية والعربية والإقليمية مواصلة جهودها
الرامية إلى تدارك الخطورة والدفع باتجاه تحقيق عمليتين سياسيتين وطنيتين
مستقلتين ومتزامنتين في كل من عدن وصنعاء على حده بهدف تحقيق ( التصالح
والتسامح ) ويفضيان إلى التعهد بعدم اللجوء إلى القوة والإقصاء
تعليقات
إرسال تعليق