: ذكريات مقاومة الاحتلال
معارك ردفان (الحملات العسكرية الخمس
-- وأما قوة المظلات التي أنزلت على الجبل الاستراتيجي المشرف على وادي
(تيم) ووادي (ذنبة) فقد تعرضت لهزيمة منكرة (كانت لها عواقب بعيدة الأثر)
وذلك بسبب أن رؤوس بعض القتلى منهم في هذه المعركة ستعرض على رؤوس
الأوتاد كما سنرى مما سيسبب عاصفة سياسية داخل بريطانيا وفي برلمانها.
فسرعان ما وجدت هذه القوة نفسها محاطة من قبل الثوار الذين أحاطوا بهم
إحاطة السوار بالمعصم (( وأصبحت النيران دقيقة للغاية وكثيفة وبلغ عدد
العدو (يعنون الثوار) الآن بين 40ـ 50 وهكذا ضاعت مفاجأتنا تماماً
واستنجدت القوة بالدعم الجوي بواسطة الراديو فاستجاب سلاح الطيران
استجابة رائعة وقام بتوفير الغطاء الجوي طيلة النهار كله فكانت طائرات
الهنتر دائماً تحلق فوق أرض المعركة ثم تنقض المرة تلو الأخرى على العدو
(الثوار) الذي يحاصرنا وتطلق النيران عليه من على بعد لا يزيد ثلاثين
ياردة عن قواتنا) وقد استشهد حوالي عشرين ثائراً من جراء ضرب الطائرات.
وفي آخر النهار حمي وطيس المعركة وذلك على الرغم من ضرب الطائرات المستمر
للثوار، واستطاع الثوار أن (يقربوا على مدى رمي القنابل من مواقعهم وسقط
(سابرووربرتن) عامل الراديو قتيلاً وتهشمت آلته. وهكذا انقطع اتصال
(ادوردس) واثنان آخران بجروح وأصبح واضحاً من أفراد القوة لا يستطيعون
البقاء والعودة إلى (الثمير) وعندما كانوا يقومون بالهرب أصابت رصاصة
الكابتن (ادردوس) وسقط في الحال مقتولاً.
وفي الساعة 18.5 ارسلت قوة مظلية أخرى في طائرتي هيلوكبتر ولكن الثوار
انهالوا عليها بنيران رصاصهم فاضطرتنا إلى العودة بعد أن أصيبت أحدهما في
خزان وقودها والثانية في دوار مؤخرتها.. وعندما أبلغ الزعيم (هارجروفس)
حالة الوضع إلى القائد العام في عدن حوالي الساعة 19.30 أمر الأخير
بإلغاء عملية إنزال المظلين).
هذا وقد استطاعت قوات الكومندوس التي اتخذت طريق وادي (بوران) من
الاستمرار في تسترها والتقدم تحت جنح الظلام بغرض الوصول إلى الهدف
الاستراتيجي المحدد. وعن طريق الالتفاف حول الجبل من مسالك غير معهودة
استطاع فريق منها الوصول إليه (أما فرقة (ب) من (3) مظلات فلم تكن هكذا
محظوظة فقد كان على أفرادها أن ينبطحوا مرتين وينتظروا بينما كانت جماعات
(المنشقين) تمر بالقرب منهم في الظلام وكانت النتيجة أن بزع الفجر وهم في
موضع لا يحسدون عليه.
وسرعان ما انهالت عليهم الرصاص من مجموعة البيوت والحصون التي تكون قرية
النقيل الواقعة في المنحدرات السفلى من الجبل الاستراتيجي المنشود..
واستمرت المعركة واستطاع بعض قناصة المنشقين أن يضربوا النار بدقة من
أعلى ويسببوا عدة خسائر.. وقد جاء الدعم الفعال من طائرات هنتر واستمرت
تقصف بعنف على بعد 150 ياردة من قواتنا.. وتزايدت الخسائر فقتل الكابتن
(جوكس) وهو يحاول مساعدة الجندي (باكستر) الذي أصيب إصابة بالغة وقتل
الجندي (دفيس) وجرح ستة آخرون. وبدأت الذخيرة والماء ينفذان وقامت طائرات
من طراز بيفرز عدة مرات بإسقاط مؤن في منطقة المعركة وقد أطلق عليهما
الثوار النار وأصابوا واحدة منها).
وبعد معارك مستمرة من هذا النوع استخدم فيها البريطانيون مختلف أنواع
طائراتهم في المعركة وبعد أن حملت الطائرات الهيلوكبتر مدفعين من عيار
105 مم و150قذيفة إلى مرتفعات الجبال المشرفة على الواديين أصبحوا في
موقف يستطيعون فيه السيطرة المؤقتة على المناطق السهلة الخصبة الواقعة
تحتهم. ولم تكفهم هذه السيطرة من على قمم الجبال بل قاموا بتحريم مناطق
وادي (تيم) ووادي (ذنبة) على السكان جميعاً ونفوهم من قراهم ومساكنهم
عملاً بموجب سياسة الإبعاد (بروسكر بشن) (أي الحظر والتحريم) التي
استحدثوها من أجل (استعادة سيطرة الحكومة) على المناطق بعد أن أفرغوها من
سكانها. ولم يكفهم هذا بل قاموا (بتنفيذ الأمر بواسطة الدوريات المشددة
أرضاً وجواً) كما يقولون، كذلك فقد استبدلوا (قوة ردفان) المؤقتة بقوة
ثانية مكونة من لواء (39) الذي استجلب خصيصاً من ايرلندا تحت قيادة
الزعيم (مانكي بلاكر) واحتفالاً بالنصر الذي أدى إلى انسحاب قيادة (قوة
ردفان) في العاشر من مايو من (الثمير) قام حوالي عشرين من الثوار بهجوم
انتحاري على معسكر الثمير ذاته وأطلقوا النيران عليه وعلى من فيه من بعد
بضع ياردات من نقطة الحراسة.
هذا وفي أثناء سير هذه المعارك كان قد أعلن الماجور جنرال (كابون) القائد
العام للقوات البرية في الشرق الأوسط في يوم الثالث من مايو 1964م في
مؤتمر صحفي في عدن عن أخبار مؤكدة بأن رأسي الكابتن (روبين ادرودس)
والجندي (جون ووربرتن) اللذين سبق أن رأيناهما يقتلان في معركة منطقة
الإنزال (درو بينج زون) يوم الثلاثين من ابريل ـ لقد أعلن (كابون) أن
رأسيهما قد فصلا عن جثتيهما وعرضا على رؤوس الأوتاد في مدينة تعز) وقد
أثار إذاعة هذا الخبر غضباً وفزعاً في بريطانيا خاصة وأن القيادة
العسكرية لم تخبر أقارب القتيلين بالنبأ قبل إذاعته على الصحافة
العالمية، ولم تأرجح الخبر بين تأكيد وإنكار له فيما بعد ازدادات العاصفة
السياسية انفجاراً في بريطانيا فطالب رئيس وزرائها بتحقيق كامل حول
القضية بينما عبر المستمر دينيس هيلي من المعارضة عن (الرعب دورية من
جنود جيش الاتحاد جثتي القتيلين قرب معركة الإنزال وهما بلا رأسين. هذا
والجدير بالذكر فإن الجبهة القومية كانت قد نفت قصة عرض هذين الرأسين.
وهكذا انتهت هذه الحملة العسكرية البريطانية الثالثة ضد ثوار ردفان دون
أن تحقق هدفاً يذكر وذل على الرغم من اشتراك (3000)جندي بريطاني واتحادي
في المعركة وعلى الرغم من استحداث الطيران الحربي بكثرة وكثافة لم
يستخدمها فيه هكذا من قبل في تاريخ الاستعمار البريطاني في الجنوب كذلك
فإن لجوئهم إلى استخدام تكتيكات حربية لم تستعمل معظمها من قبل أمثال
النزول على مرتفعات الجبال والتحرك بالليل واختباء فرق (خدمة الجو
الخاصة) (اسبيشل اير سرفيس) بالمظلات في أماكن خفية عن أعين الثوار ومن
ثم إبلاغ الطائرات بواسطة الاتصال بالراديو لتقوم بغاراتها الفجائية ضدهم
بعد أن تحدد لها مواقعهم، أو قيامهم بتحركات خادعة جانبية كما فعلوا في
وادي ربوة لجذب انتباه الثوار في الوقت الذي تكون قواتهم الرئيسية تتجه
خفية نحو أهدافها الحقيقية، أو لجوءهم إلى تهجير سكان مناطق بأكملها
وتشريدهم في العراء، أن استخدامهم لكل هذه التكتيكات المتنوعة لم تفت في
عضد الثوار ولم تجعلهم يستطيعون إخماد الثورة الملتهبة في جبال ردفان.
الحملة الرابعة (11ـ23 مايو 19964)
على الرغم من تمركز قوات الكومندوس البريطانية فوق الجبال المطلة على
وادي (تيم) ووادي (ذنبة)، وعلى الرغم من تكدسي الذخائر والأعتدة في تلك
المشارف تلك الأعتدة التي رفوعها إلى هناك بواسطة مصعد من الأسلاك
الغليظة طوله 1700 قدم صنعوه خصيصاً لذلك الغرض على الرغم من كل هذا وذاك
ومن تهجير سكان قرى الواديين فقد استمرت المصادمات عنيفة بينهم وبين
الثوار وكان أكثر نشاط الثوار إلى الشمال من وادي تيم ووادي (المصراح)
كما أنهم كانوا متمركزين أيضاً في جبال (البكري). ولذلك قررت القيادة
الجديدة للواء 39 القيام بحملة رابعة وطلب الزعيم (بلاكر) دعماً أكثر من
السيارات المصفحة ومن دبابات كتيبة الدبابات الملكية رقم 4 (4 أر تي أر)
وطائرات الهيلوكبتر.
وحددت أهداف هذه الحملة على الشكل التالي:ـ
(1. أن نظهر للمنشقين (يعنون الثوار) قدرة الجنود البريطانيين على
التغلغل إلى مناطقهم وحتى غزو تلك المناطق ذات الاعتبار الخاص للقبائل.
(2. أن نثير المنشقين (الثوار) كي يحاربونا وبذا يتكبدون الخسائر التي
ستخفض من معنوياتهم).
وكان الهدف الحربي هو جبال البكري. وقاموا يوم التاسع عشر من مايو
باستعراض لقواتهم المصفحة في وادي (المصراح). وكانوا يهدفون الوصول إلى
قرية (الحدجة) ولكن نيران الثوار أجبرتهم على التقهقر قبل أن يتخطوا قرية
(مطول فوق) وكان ذلك نصراً للثوار. وفي الوقت نفسه أنزلوا جنوداً من
المظليين فوق جبال (البكري). ثم تحركت كتيبة أخرى ليلاً وصعدت إليها من
طريق جانبي في منطقة (شعب لثم) فاشتبك فريق منها مع سبعة من الثوار قبل
أن يصلوا إلى قرية (لثم). وكان تبادل النيران قوياً بحيث فقد العدو عنصر
المفاجئة. وفي يوم عشرين من مايو وقع اشتباك بين فريق آخر وأثني عشر
ثائراً قبل وصولهم إلى قرية (لزقم) ومما ساعد الثوار على معرفة تحركات
العدو أنهم كانوا يستخدمون الإشارات الضوئية المتعارف عليها فيما بينهم
لإبلاغ بعضهم بعضاً بحركة العدو وأمكنته.
ووقعت المعركة الرئيسية بين الثوار والجنود البريطانيين في يوم الثالث
والعشرين من مايو في قرية (القطيشي) والواقعة على قمة جبال (البكري). وقد
وقف حوالي (50) من الثوار وقفة صامدة يدافعون عنها ضد هذه الجحافل من
الجنود المغيرين الذين كانوا مزودين بمدافع البطارية جي كما كانت
الطائرات تسندهم في ضربها بالقنابل والقذائف على الثوار. وفي الأخير
اختفى الثوار داخل تلك الشبكة المذهلة من الكهوف والأنفاق التي حفرها
أجدادنا الأوائل في الصخور الصماء لينفذوا منها أو ليحتموا فيها أوقات
المعامع.
وقد شهد الإنجليز أنفسهم بشجاعة الثوار وبسالتهم في ردفان والفضل ما شهدت
به الأعداء. وهذه ترجمة ما قالوه عن هذه الحملة.
(إن شجاعة رجال القبائل وقدرتهم على مقاومة الأسلحة الحديثة قد أظهرنا
بشكل مثير للإعجاب في هذه المعركة فقد شنت طائرات الهنتر سلسلة متتالية
من الضرب على مواقع الثوار مستخدمة الصواريخ وقذائف 80 مم ولكنها فشلت
تماماً في أن توقف الثوار عن إطلاق النيران إلا لبضع دقائق محدودة.
والواقع أنه في أحدى المرات، عندما دمرت أحدى الغارات الجوية حصنا إلى
قاعه فإن نيران البندقية لم يتوقف إطلاقها البتة من حصن مجاور آخر لا
يبعد أكثر من خمسين ياردة وفي الوقت نفسه فإن المنشقين (الثوار) سلكوا
مسلك الفدائيين الحقيقيين بمعنى أنهم حاربوا ببسالة كلما كانت المباداة
بأديديهم).
الحملة الخامسة (24 ـ مايو ـ 23 أغسطس 1964م).
وكان الهدف النهائي لهذه الحملة هو جبل (الحورية) الذي تعتبر قمته (5500
قدم) أعلى قمة في ردفان إلا أنهم قبل السيطرة على هذا الهدف الاستراتيجي
حاولوا الاستيلاء أولاً علىعض الوديان ذات الأهمية العسكرية أمثال وادي
(نخلين) ووادي (نياف) ووادي (المصراح) ووادي (دبسان).
وبدأوا أولاً بشن هجمات فجائية على وادي (نخلين) بهدف السيطرة عليه وقطع
طرق قوافل الثوار التي تحمل الذخائر والمؤن لهم من شمال الوطن، عندما
وصولوا يوم الخامس والعشرين من مايو إلى شمال الوادي اعترضهم حوالي
عشرين ثائراً ودارت بينهم معركة بالبنادق والآليات وأصيب من جرائها سائق
قائد الحملة (هفرمان) مع عدد آخر من الجنود فاضطروا إلى الانسحاب
بسياراتهم المصفحة ثم عادوا إلى الوادي اليوم الثاني وفي الأخير انسحبوا
منه نهائياً يوم الثامن والعشرين من الشهر.
وفي الفترة ما بين 26/27 من مايو قامت الفرقة 3 من المظليين بالهجوم على
وادي (دبسان) الذي تشرف عليه من جبهة الشمال جبال (البكري) ومن الغرب جبل
(الحقلة) ولما وصولوا إلى مقربة من منطقة (لذأب) كان حوالي ثلاثين من
الثوار ينتظرونهم، وقد أصلوهم ناراً حامية بواسطة بناقدهم وآلياتهم. ((
وكانت النار كثيفة ودقيقة وتأتي من الأرض المرتفعة فوق الكومندوس والتي
لم يتمكن من الاستيلاء عليها والتمركز فيها، ولم يكن ممكناً لنا التقدم
أكثر وتكبدنا خسائر وقتل نائب رئيس الفرقة وجرح أحد جنود البحرية .. ثم
أطلقت النيران على أحدى طائرات الهيلوكبتر ونفذت الرصاصات في داخلها
وأصيب ضابط الاستخبارات في ساعده وبدأت الطائرة تفقد توازنها وتهوي نحو
الأسفل)).
وازداد تبادل إطلاق النيران بعنف وطلبت القوة البريطانية الدعم الجوي في
الوقت الذي كانت تستخدم مدفعيتها المتوسطة والمورترز من عيار 3 بوصات
((وكانت طائرات الهنتر تطير على انخفاض كبير على طول الوادي وتطلق
نيرانها. ومرة ثانية تكبدنا بعض الخسائر)). وقد بلغت خسائر البريطانيين
ثمانية ما بين قتيل وجريح.
وفي التاسع والعشرين من مايو قام المقدم جاي (داي)، الذي سيصبح فيما بعد
الزعيم (داي) قائد جيش الاتحاد حتى مجيء الاستقلال، قائد فرقة شرق انجليا
بالتحليق الاستطلاعي فوق جبل (الحورية). وفي 31 مايو بدأت قوته تتقدم في
وادي (المصراح). وفي الثالث من يونيو انفجرت بلغم إحدى سيارات اللاندروفر
قرب رأس (مقر) وأصيب سائقها بإصابات بالغة.
وفي السابع من يونيو، عندما كانت الكتيبة الثانية من جيش الاتحاد النظامي
قرب (شعب شرح) أصلاها حوالي 40 من الثوار النيران برصاص بنادقهم واستمرت
المعركة طيلة النهار كله وكان الثوار يضربون من طائرات الهنتر ومن بطارية
الرويال هور ارتيلري (عيال 105 مم) وأسلحة الكتيبة نفسها ومع ذلك فإن
((المنشقين (الثوار) كانوا مستميتين في مواقعهم ولا ينوون أن يتزحزحوا
منها على الرغم من تكبدهم الخسائر.. ومن الواضع أنهم كانوا مستعدين أن
يبقوا ويحاربوا على عكس تكتيكاتهم الفدائية المعتادة.. لقد بقوا مستميتين
في مواقعهم وأصبح واضحاً في آخر النهار بأنه يحتاج إلى هجوم لزحزحتهم عن
موقعهم الحصين وهكذا تأجل الهجوم حتى اليوم التالي)).
ولكن الثوار لم يعطوهم تلك الفرصة فقد انسحبوا من مواقعهم تلك خلال الليل.
وفي العاشر من يونيو استطاع الثوار تحطيم وإسقاط طائرة هيلوكبتر من طراز
أر.إن ويسكس ولم يستطع الجنود الإنجليز صعود جبل الحورية في الليل إلا
بمساندة طائرات الشاكيلتون التي كانت تطير فوق جنوب الجبل وتسقط شعلا من
الضوء لكي تضيء الطريق للجنود الصاعدين خفية تحت جنح الظلام. وفي الرابع
عشر من يونيو خلف الزعيم (بلير) الزعيم (بلاكر) وقد أتبع هذا القائد
الجديد سياسة متشددة في إحكام القبضة على المناطق التي سيطروا عليها بحيث
منع الثوار والأهالي من العودة إلى مساكنهم وقسمت المنطقة المحتلة إلى
ثلاثة أقسام هي محاور وادي (تيم) ووادي (ذنبة) وجبل (حورية) ووادي
(المصراح) ووضعت كتيبة كاملة على كل محور وكانت تقوم بدورياتها المستمرة
طيلة الليل والنهار وتعد الكمائن وتبحث عن الألغام وتتمركز في نقاط.
وفي الثالث والعشرين من أغسطس 1964م كانت آخر محاولة للقوات البريطانية
في الاستيلاء على جبل (ودنا) وذلك بواسطة إنزال الجنود هناك بالهيلوكبتر.
وقد أعطبت طائراتان من الثلاث طائرات المخصصة للعملية.
إن معارك ردفان خلال هذين العامين ـ وما ذكر هنا غيض من فيض ـ قد زادت من
صلابة الثوار وكبدت بريطانيا الخسائر الكبيرة في الأعتدة والأرواح
والسمعة داخل وخارج بريطانيا. وقد اضطر وزير الدفاع البريطاني (دنكن
ساندز) أن يأتي في عز شهور الصيف المحرقة إلى جبال (ردفان) ليرفع من
معنوية الجنود البريطانيين المنهارة في تلك الحرب التي لم يعتادوها من
قبل وذلك على الرغم من استخدامهم لأول مرة ـ كما سبق أن رأينا ـ تكتيكات
حربية جديدة في الأرض والجو ضد الثوار. لقد أصبحت ثورة ردفان هي البداية
والقدوة لبقية مرحلة الكفاح المسلح في الريف وفي المدينة، فكل تلك
الحملات المسعورة التي كان يشنها الإنجليز، وكل ذلك القصف الجوي الذي لم
يعهد له مثيل من سابق، وعلى الرغم من سياسة تحريم المناطق على سكانها
وتشريد عشرات الآلاف منهم، على الرغم من كل ذلك فد ازداد المواطنون
بسائلة وصلابة.
-- وأما قوة المظلات التي أنزلت على الجبل الاستراتيجي المشرف على وادي
(تيم) ووادي (ذنبة) فقد تعرضت لهزيمة منكرة (كانت لها عواقب بعيدة الأثر)
وذلك بسبب أن رؤوس بعض القتلى منهم في هذه المعركة ستعرض على رؤوس
الأوتاد كما سنرى مما سيسبب عاصفة سياسية داخل بريطانيا وفي برلمانها.
فسرعان ما وجدت هذه القوة نفسها محاطة من قبل الثوار الذين أحاطوا بهم
إحاطة السوار بالمعصم (( وأصبحت النيران دقيقة للغاية وكثيفة وبلغ عدد
العدو (يعنون الثوار) الآن بين 40ـ 50 وهكذا ضاعت مفاجأتنا تماماً
واستنجدت القوة بالدعم الجوي بواسطة الراديو فاستجاب سلاح الطيران
استجابة رائعة وقام بتوفير الغطاء الجوي طيلة النهار كله فكانت طائرات
الهنتر دائماً تحلق فوق أرض المعركة ثم تنقض المرة تلو الأخرى على العدو
(الثوار) الذي يحاصرنا وتطلق النيران عليه من على بعد لا يزيد ثلاثين
ياردة عن قواتنا) وقد استشهد حوالي عشرين ثائراً من جراء ضرب الطائرات.
وفي آخر النهار حمي وطيس المعركة وذلك على الرغم من ضرب الطائرات المستمر
للثوار، واستطاع الثوار أن (يقربوا على مدى رمي القنابل من مواقعهم وسقط
(سابرووربرتن) عامل الراديو قتيلاً وتهشمت آلته. وهكذا انقطع اتصال
(ادوردس) واثنان آخران بجروح وأصبح واضحاً من أفراد القوة لا يستطيعون
البقاء والعودة إلى (الثمير) وعندما كانوا يقومون بالهرب أصابت رصاصة
الكابتن (ادردوس) وسقط في الحال مقتولاً.
وفي الساعة 18.5 ارسلت قوة مظلية أخرى في طائرتي هيلوكبتر ولكن الثوار
انهالوا عليها بنيران رصاصهم فاضطرتنا إلى العودة بعد أن أصيبت أحدهما في
خزان وقودها والثانية في دوار مؤخرتها.. وعندما أبلغ الزعيم (هارجروفس)
حالة الوضع إلى القائد العام في عدن حوالي الساعة 19.30 أمر الأخير
بإلغاء عملية إنزال المظلين).
هذا وقد استطاعت قوات الكومندوس التي اتخذت طريق وادي (بوران) من
الاستمرار في تسترها والتقدم تحت جنح الظلام بغرض الوصول إلى الهدف
الاستراتيجي المحدد. وعن طريق الالتفاف حول الجبل من مسالك غير معهودة
استطاع فريق منها الوصول إليه (أما فرقة (ب) من (3) مظلات فلم تكن هكذا
محظوظة فقد كان على أفرادها أن ينبطحوا مرتين وينتظروا بينما كانت جماعات
(المنشقين) تمر بالقرب منهم في الظلام وكانت النتيجة أن بزع الفجر وهم في
موضع لا يحسدون عليه.
وسرعان ما انهالت عليهم الرصاص من مجموعة البيوت والحصون التي تكون قرية
النقيل الواقعة في المنحدرات السفلى من الجبل الاستراتيجي المنشود..
واستمرت المعركة واستطاع بعض قناصة المنشقين أن يضربوا النار بدقة من
أعلى ويسببوا عدة خسائر.. وقد جاء الدعم الفعال من طائرات هنتر واستمرت
تقصف بعنف على بعد 150 ياردة من قواتنا.. وتزايدت الخسائر فقتل الكابتن
(جوكس) وهو يحاول مساعدة الجندي (باكستر) الذي أصيب إصابة بالغة وقتل
الجندي (دفيس) وجرح ستة آخرون. وبدأت الذخيرة والماء ينفذان وقامت طائرات
من طراز بيفرز عدة مرات بإسقاط مؤن في منطقة المعركة وقد أطلق عليهما
الثوار النار وأصابوا واحدة منها).
وبعد معارك مستمرة من هذا النوع استخدم فيها البريطانيون مختلف أنواع
طائراتهم في المعركة وبعد أن حملت الطائرات الهيلوكبتر مدفعين من عيار
105 مم و150قذيفة إلى مرتفعات الجبال المشرفة على الواديين أصبحوا في
موقف يستطيعون فيه السيطرة المؤقتة على المناطق السهلة الخصبة الواقعة
تحتهم. ولم تكفهم هذه السيطرة من على قمم الجبال بل قاموا بتحريم مناطق
وادي (تيم) ووادي (ذنبة) على السكان جميعاً ونفوهم من قراهم ومساكنهم
عملاً بموجب سياسة الإبعاد (بروسكر بشن) (أي الحظر والتحريم) التي
استحدثوها من أجل (استعادة سيطرة الحكومة) على المناطق بعد أن أفرغوها من
سكانها. ولم يكفهم هذا بل قاموا (بتنفيذ الأمر بواسطة الدوريات المشددة
أرضاً وجواً) كما يقولون، كذلك فقد استبدلوا (قوة ردفان) المؤقتة بقوة
ثانية مكونة من لواء (39) الذي استجلب خصيصاً من ايرلندا تحت قيادة
الزعيم (مانكي بلاكر) واحتفالاً بالنصر الذي أدى إلى انسحاب قيادة (قوة
ردفان) في العاشر من مايو من (الثمير) قام حوالي عشرين من الثوار بهجوم
انتحاري على معسكر الثمير ذاته وأطلقوا النيران عليه وعلى من فيه من بعد
بضع ياردات من نقطة الحراسة.
هذا وفي أثناء سير هذه المعارك كان قد أعلن الماجور جنرال (كابون) القائد
العام للقوات البرية في الشرق الأوسط في يوم الثالث من مايو 1964م في
مؤتمر صحفي في عدن عن أخبار مؤكدة بأن رأسي الكابتن (روبين ادرودس)
والجندي (جون ووربرتن) اللذين سبق أن رأيناهما يقتلان في معركة منطقة
الإنزال (درو بينج زون) يوم الثلاثين من ابريل ـ لقد أعلن (كابون) أن
رأسيهما قد فصلا عن جثتيهما وعرضا على رؤوس الأوتاد في مدينة تعز) وقد
أثار إذاعة هذا الخبر غضباً وفزعاً في بريطانيا خاصة وأن القيادة
العسكرية لم تخبر أقارب القتيلين بالنبأ قبل إذاعته على الصحافة
العالمية، ولم تأرجح الخبر بين تأكيد وإنكار له فيما بعد ازدادات العاصفة
السياسية انفجاراً في بريطانيا فطالب رئيس وزرائها بتحقيق كامل حول
القضية بينما عبر المستمر دينيس هيلي من المعارضة عن (الرعب دورية من
جنود جيش الاتحاد جثتي القتيلين قرب معركة الإنزال وهما بلا رأسين. هذا
والجدير بالذكر فإن الجبهة القومية كانت قد نفت قصة عرض هذين الرأسين.
وهكذا انتهت هذه الحملة العسكرية البريطانية الثالثة ضد ثوار ردفان دون
أن تحقق هدفاً يذكر وذل على الرغم من اشتراك (3000)جندي بريطاني واتحادي
في المعركة وعلى الرغم من استحداث الطيران الحربي بكثرة وكثافة لم
يستخدمها فيه هكذا من قبل في تاريخ الاستعمار البريطاني في الجنوب كذلك
فإن لجوئهم إلى استخدام تكتيكات حربية لم تستعمل معظمها من قبل أمثال
النزول على مرتفعات الجبال والتحرك بالليل واختباء فرق (خدمة الجو
الخاصة) (اسبيشل اير سرفيس) بالمظلات في أماكن خفية عن أعين الثوار ومن
ثم إبلاغ الطائرات بواسطة الاتصال بالراديو لتقوم بغاراتها الفجائية ضدهم
بعد أن تحدد لها مواقعهم، أو قيامهم بتحركات خادعة جانبية كما فعلوا في
وادي ربوة لجذب انتباه الثوار في الوقت الذي تكون قواتهم الرئيسية تتجه
خفية نحو أهدافها الحقيقية، أو لجوءهم إلى تهجير سكان مناطق بأكملها
وتشريدهم في العراء، أن استخدامهم لكل هذه التكتيكات المتنوعة لم تفت في
عضد الثوار ولم تجعلهم يستطيعون إخماد الثورة الملتهبة في جبال ردفان.
الحملة الرابعة (11ـ23 مايو 19964)
على الرغم من تمركز قوات الكومندوس البريطانية فوق الجبال المطلة على
وادي (تيم) ووادي (ذنبة)، وعلى الرغم من تكدسي الذخائر والأعتدة في تلك
المشارف تلك الأعتدة التي رفوعها إلى هناك بواسطة مصعد من الأسلاك
الغليظة طوله 1700 قدم صنعوه خصيصاً لذلك الغرض على الرغم من كل هذا وذاك
ومن تهجير سكان قرى الواديين فقد استمرت المصادمات عنيفة بينهم وبين
الثوار وكان أكثر نشاط الثوار إلى الشمال من وادي تيم ووادي (المصراح)
كما أنهم كانوا متمركزين أيضاً في جبال (البكري). ولذلك قررت القيادة
الجديدة للواء 39 القيام بحملة رابعة وطلب الزعيم (بلاكر) دعماً أكثر من
السيارات المصفحة ومن دبابات كتيبة الدبابات الملكية رقم 4 (4 أر تي أر)
وطائرات الهيلوكبتر.
وحددت أهداف هذه الحملة على الشكل التالي:ـ
(1. أن نظهر للمنشقين (يعنون الثوار) قدرة الجنود البريطانيين على
التغلغل إلى مناطقهم وحتى غزو تلك المناطق ذات الاعتبار الخاص للقبائل.
(2. أن نثير المنشقين (الثوار) كي يحاربونا وبذا يتكبدون الخسائر التي
ستخفض من معنوياتهم).
وكان الهدف الحربي هو جبال البكري. وقاموا يوم التاسع عشر من مايو
باستعراض لقواتهم المصفحة في وادي (المصراح). وكانوا يهدفون الوصول إلى
قرية (الحدجة) ولكن نيران الثوار أجبرتهم على التقهقر قبل أن يتخطوا قرية
(مطول فوق) وكان ذلك نصراً للثوار. وفي الوقت نفسه أنزلوا جنوداً من
المظليين فوق جبال (البكري). ثم تحركت كتيبة أخرى ليلاً وصعدت إليها من
طريق جانبي في منطقة (شعب لثم) فاشتبك فريق منها مع سبعة من الثوار قبل
أن يصلوا إلى قرية (لثم). وكان تبادل النيران قوياً بحيث فقد العدو عنصر
المفاجئة. وفي يوم عشرين من مايو وقع اشتباك بين فريق آخر وأثني عشر
ثائراً قبل وصولهم إلى قرية (لزقم) ومما ساعد الثوار على معرفة تحركات
العدو أنهم كانوا يستخدمون الإشارات الضوئية المتعارف عليها فيما بينهم
لإبلاغ بعضهم بعضاً بحركة العدو وأمكنته.
ووقعت المعركة الرئيسية بين الثوار والجنود البريطانيين في يوم الثالث
والعشرين من مايو في قرية (القطيشي) والواقعة على قمة جبال (البكري). وقد
وقف حوالي (50) من الثوار وقفة صامدة يدافعون عنها ضد هذه الجحافل من
الجنود المغيرين الذين كانوا مزودين بمدافع البطارية جي كما كانت
الطائرات تسندهم في ضربها بالقنابل والقذائف على الثوار. وفي الأخير
اختفى الثوار داخل تلك الشبكة المذهلة من الكهوف والأنفاق التي حفرها
أجدادنا الأوائل في الصخور الصماء لينفذوا منها أو ليحتموا فيها أوقات
المعامع.
وقد شهد الإنجليز أنفسهم بشجاعة الثوار وبسالتهم في ردفان والفضل ما شهدت
به الأعداء. وهذه ترجمة ما قالوه عن هذه الحملة.
(إن شجاعة رجال القبائل وقدرتهم على مقاومة الأسلحة الحديثة قد أظهرنا
بشكل مثير للإعجاب في هذه المعركة فقد شنت طائرات الهنتر سلسلة متتالية
من الضرب على مواقع الثوار مستخدمة الصواريخ وقذائف 80 مم ولكنها فشلت
تماماً في أن توقف الثوار عن إطلاق النيران إلا لبضع دقائق محدودة.
والواقع أنه في أحدى المرات، عندما دمرت أحدى الغارات الجوية حصنا إلى
قاعه فإن نيران البندقية لم يتوقف إطلاقها البتة من حصن مجاور آخر لا
يبعد أكثر من خمسين ياردة وفي الوقت نفسه فإن المنشقين (الثوار) سلكوا
مسلك الفدائيين الحقيقيين بمعنى أنهم حاربوا ببسالة كلما كانت المباداة
بأديديهم).
الحملة الخامسة (24 ـ مايو ـ 23 أغسطس 1964م).
وكان الهدف النهائي لهذه الحملة هو جبل (الحورية) الذي تعتبر قمته (5500
قدم) أعلى قمة في ردفان إلا أنهم قبل السيطرة على هذا الهدف الاستراتيجي
حاولوا الاستيلاء أولاً علىعض الوديان ذات الأهمية العسكرية أمثال وادي
(نخلين) ووادي (نياف) ووادي (المصراح) ووادي (دبسان).
وبدأوا أولاً بشن هجمات فجائية على وادي (نخلين) بهدف السيطرة عليه وقطع
طرق قوافل الثوار التي تحمل الذخائر والمؤن لهم من شمال الوطن، عندما
وصولوا يوم الخامس والعشرين من مايو إلى شمال الوادي اعترضهم حوالي
عشرين ثائراً ودارت بينهم معركة بالبنادق والآليات وأصيب من جرائها سائق
قائد الحملة (هفرمان) مع عدد آخر من الجنود فاضطروا إلى الانسحاب
بسياراتهم المصفحة ثم عادوا إلى الوادي اليوم الثاني وفي الأخير انسحبوا
منه نهائياً يوم الثامن والعشرين من الشهر.
وفي الفترة ما بين 26/27 من مايو قامت الفرقة 3 من المظليين بالهجوم على
وادي (دبسان) الذي تشرف عليه من جبهة الشمال جبال (البكري) ومن الغرب جبل
(الحقلة) ولما وصولوا إلى مقربة من منطقة (لذأب) كان حوالي ثلاثين من
الثوار ينتظرونهم، وقد أصلوهم ناراً حامية بواسطة بناقدهم وآلياتهم. ((
وكانت النار كثيفة ودقيقة وتأتي من الأرض المرتفعة فوق الكومندوس والتي
لم يتمكن من الاستيلاء عليها والتمركز فيها، ولم يكن ممكناً لنا التقدم
أكثر وتكبدنا خسائر وقتل نائب رئيس الفرقة وجرح أحد جنود البحرية .. ثم
أطلقت النيران على أحدى طائرات الهيلوكبتر ونفذت الرصاصات في داخلها
وأصيب ضابط الاستخبارات في ساعده وبدأت الطائرة تفقد توازنها وتهوي نحو
الأسفل)).
وازداد تبادل إطلاق النيران بعنف وطلبت القوة البريطانية الدعم الجوي في
الوقت الذي كانت تستخدم مدفعيتها المتوسطة والمورترز من عيار 3 بوصات
((وكانت طائرات الهنتر تطير على انخفاض كبير على طول الوادي وتطلق
نيرانها. ومرة ثانية تكبدنا بعض الخسائر)). وقد بلغت خسائر البريطانيين
ثمانية ما بين قتيل وجريح.
وفي التاسع والعشرين من مايو قام المقدم جاي (داي)، الذي سيصبح فيما بعد
الزعيم (داي) قائد جيش الاتحاد حتى مجيء الاستقلال، قائد فرقة شرق انجليا
بالتحليق الاستطلاعي فوق جبل (الحورية). وفي 31 مايو بدأت قوته تتقدم في
وادي (المصراح). وفي الثالث من يونيو انفجرت بلغم إحدى سيارات اللاندروفر
قرب رأس (مقر) وأصيب سائقها بإصابات بالغة.
وفي السابع من يونيو، عندما كانت الكتيبة الثانية من جيش الاتحاد النظامي
قرب (شعب شرح) أصلاها حوالي 40 من الثوار النيران برصاص بنادقهم واستمرت
المعركة طيلة النهار كله وكان الثوار يضربون من طائرات الهنتر ومن بطارية
الرويال هور ارتيلري (عيال 105 مم) وأسلحة الكتيبة نفسها ومع ذلك فإن
((المنشقين (الثوار) كانوا مستميتين في مواقعهم ولا ينوون أن يتزحزحوا
منها على الرغم من تكبدهم الخسائر.. ومن الواضع أنهم كانوا مستعدين أن
يبقوا ويحاربوا على عكس تكتيكاتهم الفدائية المعتادة.. لقد بقوا مستميتين
في مواقعهم وأصبح واضحاً في آخر النهار بأنه يحتاج إلى هجوم لزحزحتهم عن
موقعهم الحصين وهكذا تأجل الهجوم حتى اليوم التالي)).
ولكن الثوار لم يعطوهم تلك الفرصة فقد انسحبوا من مواقعهم تلك خلال الليل.
وفي العاشر من يونيو استطاع الثوار تحطيم وإسقاط طائرة هيلوكبتر من طراز
أر.إن ويسكس ولم يستطع الجنود الإنجليز صعود جبل الحورية في الليل إلا
بمساندة طائرات الشاكيلتون التي كانت تطير فوق جنوب الجبل وتسقط شعلا من
الضوء لكي تضيء الطريق للجنود الصاعدين خفية تحت جنح الظلام. وفي الرابع
عشر من يونيو خلف الزعيم (بلير) الزعيم (بلاكر) وقد أتبع هذا القائد
الجديد سياسة متشددة في إحكام القبضة على المناطق التي سيطروا عليها بحيث
منع الثوار والأهالي من العودة إلى مساكنهم وقسمت المنطقة المحتلة إلى
ثلاثة أقسام هي محاور وادي (تيم) ووادي (ذنبة) وجبل (حورية) ووادي
(المصراح) ووضعت كتيبة كاملة على كل محور وكانت تقوم بدورياتها المستمرة
طيلة الليل والنهار وتعد الكمائن وتبحث عن الألغام وتتمركز في نقاط.
وفي الثالث والعشرين من أغسطس 1964م كانت آخر محاولة للقوات البريطانية
في الاستيلاء على جبل (ودنا) وذلك بواسطة إنزال الجنود هناك بالهيلوكبتر.
وقد أعطبت طائراتان من الثلاث طائرات المخصصة للعملية.
إن معارك ردفان خلال هذين العامين ـ وما ذكر هنا غيض من فيض ـ قد زادت من
صلابة الثوار وكبدت بريطانيا الخسائر الكبيرة في الأعتدة والأرواح
والسمعة داخل وخارج بريطانيا. وقد اضطر وزير الدفاع البريطاني (دنكن
ساندز) أن يأتي في عز شهور الصيف المحرقة إلى جبال (ردفان) ليرفع من
معنوية الجنود البريطانيين المنهارة في تلك الحرب التي لم يعتادوها من
قبل وذلك على الرغم من استخدامهم لأول مرة ـ كما سبق أن رأينا ـ تكتيكات
حربية جديدة في الأرض والجو ضد الثوار. لقد أصبحت ثورة ردفان هي البداية
والقدوة لبقية مرحلة الكفاح المسلح في الريف وفي المدينة، فكل تلك
الحملات المسعورة التي كان يشنها الإنجليز، وكل ذلك القصف الجوي الذي لم
يعهد له مثيل من سابق، وعلى الرغم من سياسة تحريم المناطق على سكانها
وتشريد عشرات الآلاف منهم، على الرغم من كل ذلك فد ازداد المواطنون
بسائلة وصلابة.
Thaer Radfan
--
*(ابوسهيل2011*)
تعليقات
إرسال تعليق