بسم الله الرحمن الرحيم

اذا صدق العزم صح السبيل

بقلم : عبد الرب درويش

أشعر بالحاجة وبالضرورة إلى لفت انتباه وعناية الجميع حتى يتكون شعور
وتصور واحد وأقول بأقل من المختصر المفيد :

من حسن طالعنا – كشعب أن يقف القدر إلى جانبنا مرتين ويهبنا خلال لحظتين
تاريخيتين متتاليتين ، وبوسئلتين مختلفتين فرصتين حقيقيتين للخلاص من ربق
الاستعمار الأجنبي واليمني ودوامة الادعاءات والافتراءات والنزاعات
اليمنية التي طال أمدها على مدى قرن من الزمن تقريباً .

وبغض النظر عن الإخفاقات والإرهاصات والتشوهات والنتواءت التي رافقت لحظة
القرن المنصرم إلا أن الغاية تحققت ويبقى الأهم اليوم بالعبرة .. هل
اعتبرنا أم لازلنا مراهقين ونحن في سن النضوج التام ، وهل نحن قادرين على
الخلاص من استبداد (الذات) واستبداد (العاطفة) اللتين استبدتا بنا وبهذا
الشعب المعطا وكادتا أن تودي به وبقدره ومصيره لولا عناية الله ورعايته ؟

ومن حسن طالعنا أيضاً أن تمدنا هذه اللحظة التاريخية بعناصر قوة عوضاً عن
تلك التي سلبت منا وكانت سائدة في الحقبة السابقة اي أن فرض وإحلال (حجة
القوة والباطل) محل (قوة الحجة وقوة الحق) بات مرفوض وولى زمانه ، وباتت
معركة اليوم بكل تأكيد هي معركة (الحجة) ومن يمتلكها ويحسن التصرف بها
كان النصر حليفه دون أدنى شك ... فهل نحن يا ترى مدركين وجاهزين لخوض هذه
المعركة الشاقة والشائكة والخطرة المرتكزة على قاعدة الحق المبين
والإرادتين السياسية والشعبية المتماسكتين حقاً والمهيأتين نفسياً
وبدنياً لدفع الفاتورة مهما كانت غالية وباهضة الثمن ؟

ومن الأهمية بمكان التذكير والقول أن الصراع والنزاع مع صنعاء – كنظام
على مختلف مسمياته قد تمحور وتمرحل على مدى قرن من الزمن وحتى الساعة
فمنذ 1918م وحتى 30 نوفمبر 1967م ، حول ( وجود أو عدم وجود ) شعب الجنوب
الطبيعي والشرعي والتاريخي والقانوني وحقه في الوجود والحياة والحرية
والاستقلال وبناء دولته الوطنية والمستقلة على كامل ترابه الوطني شأنه في
ذلك شأن بقية الشعوب والأمم وقطع الأمر نهائياً مع صنعاء بنيل شعب الجنوب
الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م .

وبالرغم من ذلك إلا أنها استمرت بالعبث وغيرت فقط بالوسائل والمسميات
لكنها أعادت الكرة من جديد تحت مسمى ((الوحدة والواحدية)) فتمحور الصراع
والنزاع معها حول الوحدة وأنساقت دولة الجنوب إلى ذلك المستنقع بعد أن
بذرت (اليمننة) في مسمى الدولة الحديثة الاستقلال واستمر ذلك الصراع
حوالي ربع قرن من الزمن وبقي الجنوب كما سلمته بريطانيا دون نهضة
اقتصادية وظهر وكأنه كان أمانة إلى وقت الحاجة ووقت الطلب حتى تم الإعلان
عن ذلك الهجين المشوه والمعاب في جوهره في 22 مايو 1990م .

ومنذ 22 مايو 1990م وحتى 7 يوليو 1994م تمحور الصراع بين عدن وصنعاء حول
طبيعة وماهية الوحدة ( هل هي وحدة سياسية أم وطنية) وليس كما أظهرت صنعاء
أن الصراع يتمحور حول مشروع الوحدة وأهدافها ، وحول بناء الدولة الموحدة
وحول تنفيذ اتفاقياتها والعمل بدستورها كما أوهمت صنعاء قيادة دولة
الجنوب بذلك فافتعلت الأزمة الخانقة وأعلنت الحرب العدوانية المقترنة
بفتوى التكفير والاستباحة وشنته صيف 1994م بينما كان هدفها إفراغ الوحدة
من مضمونها ومحتواها السياسي وإسقاط اتفاقياتها ومشروعيتها وهو ما تم
بالفعل .

أما ما بعد 7 يوليو 1994م فتمحور الصراع بين صنعاء مع بقايا دولة الجنوب
والنخبة المثقفة والوطنية حول الحرب وشرعيتها ونتائجها ، وحول برنامج
صنعاء الهادف إلى استئصال الجنوب – كدولة وشعب وهوية وتاريخ وكجغرافيا ،
وامتصاص بشع وعنيف لخيراته ومقدراته وعلى نحو يلغيه تماما من الوجود ،
وحول تحويل الجنوب إلى ثكنة أمنية وعسكرية وسجن جماعي ، ومرتع وملاذ آمن
للقاعدة والإرهاب وجعلت صعناء من الجنوب أرضاً وإنساناً ورقة وسلعة
للمساومة والمقايضة به في حل نزاعاتها وخلافاتها الداخلية والخارجية وكل
ذلك بهدف إبقاء ملف ومصير الجنوب معلق ومسكوت عنه والسكوت عما يدور ويجري
ويتعمل ويحدث فيه من غليان ومن خراب ودمار وانتهاك وجرائم ترتقي إلى
مستوى الإبادة والمحرمة وضد الإنسانية .

وأما الصراع منذ 7 يوليو 2007م فقد اتخذ منحى وطابع جديد وتمحور بين
النظام بشقيه وشعب الجنوب بأسره حول طبيعة الوضع ( النكره ) - الغير
طبيعي من عدمه من الوجهة الشرعية والقانونية والأخلاقية والإنسانية ، ومن
وجهة ونظر القانون والشرعية الدولية وخارج حدود اتفاقيات وشرعية ذلك
الهجين المتفق عليه بين الدولتين والمغفورة له ، بل وخارج محيط الوحدة
السياسية المتعارف عليها في التجارب الإنسانية بين الدول والشعوب والأمم
، وبرزت القضية الوطنية الجنوبية وذاع صيتها وتمحور الصراع مع السلطة
والمعارضة حول طبيعتها وماهيتها وأسبابها ومسبباتها وخلفياتها من جهة ومن
جهة أخرى حول أطرافها ومرجعية وطريقة وشرعية حلها .

وبالتالي هذا هو التسلسل المنطقي والزمني لهذه اللعبة القذرة وحلقاتها
المترابطة وهذه هي صنعاء – كنظام وطبيعة وثقافة وملة ، وهذه هي نواياها
المبيتة والدفينة والعدوانية وهذه هي الماسة والنتائج الكارثية التي
صنعتها وخلفتها صنعاء بأيديها ومحض إرادتها وعبثت بذلك المشروع وحولته
إلى جحيم وجرح دام ومفتوح وموغل وفتنة في الواقع والنفوس ، وبمشاعر وعقول
الناس وتنصلت عن التزاماتها للمجتمع الدولي وتمردت على قراري الشرعية
الدولية (924- 931) لسنة 1994م وتحدت إرادة المجتمع الدولي ، وهي وحدها
من تتحمل المسئولية كاملة دون سواها .

لقد اعتقدت صنعاء أن قشة ( الوحدة والادعاء بالوحدوية ) هي الوسيلة
الوحيدة لتحقيق رغباتها وشهواتها ووصية أسلافها وبها وحدها يمكن أن تقسم
ظهر الجنوب والجنوبيين إلى الأبد وكان عليها أن تعرف أن هذه القشة ذي
حدين وضربات مزدوجة ومرتدة في حال سوء استغلالها واستخدامها وهو ما حصل
بالفعل فقد أصابت نفسها في مقتل وطعنت شعبها بطعنتين أحداها في الصميم
والأخرى في الخاصرة .

وبالتالي علينا أن ندرك تماماً أن هذه القشة اليوم أصبحت ملك أيدينا
والسلاح الفعال الذي يمكننا به استرداد كل حقوقنا الكاملة والغير منقوصة
والغير مشروطة ولقد حان الوقت لقطع دابر هذه المخططات والأطماع واقتلاعها
من جذورها .

ولا مناص من القول أيضاً أن قضية مصيرية وبهذا الحجم والجسامة تحتاج
بالضرورة إلى فرق عمل متخصصة وذات كفاءت ومهارات عالية في مختلف المجالات
( الشرعية والقانونية والتاريخية والفلسفية واللغوية والعلمية والعلوم
الاجتماعية والنفسية والعسكرية والأمنية ) ، وتحتاج بالضرورة أيضا إلى
قاعدة معلومات شاملة ودقيقة ومحددة وإلى آلة إعلامية ضخمة - دعائية
وتحريضية وتنويريها واسعة وشاملة ، وإلى استشارات ومداولات دائمة
ومتواصلة وإلى مواهب وابداعات كل الجنوبيين بمختلف أعمارهم ، وإلى مثابرة
وصبر وعفة وحكمة ، وإلى إرادة جمعية سياسية صلبة ومتمرسة وحصيفة ومتماسكة
وإلى توافق وطني بالضرورة وإلى شرعية شعبية وليس سياسية .

لذلك وبالضرورة لابد من عقد لقاءات لذوي الملاكات المتخصصة لتحديد معالم
هذه القضية من كل جوانبها قبلا ومن ثم يدعى الى عقد لقاء(مؤتمر) وطني
وتطرح فيه هذه التصورات إذا ما أردنا أن نخطو بثبات وعزيمة وإرادة أكيدة
وشفافة وثقة عالية ، وإذا ما أردنا أيضاً اجتناب الجدل والحديث العبثي
والعدمي المعبر عن حالة ورغبة وليس عن حاجة وضرورة تقتضيها القضية
والمصلحة العليا لشعب الجنوب بأسره وإذا ما أردنا الوصول إلى الغاية
المنشودة بسلام وأمان وبأقل الخسائر والأضرار التكلفة والجهد معا .

وأخيرا , أقول بكل حب واخلاص للجميع لقد شبعنا خطل وجراح, وألم وفاقة
وحرمان ,وجلد وندب الذات,وسئمنا منى ومنية ,وتعبنا من (شيلني وشيلك)...
فهلا عقلنا وتركنا للبصر والبصيرة مكانة ,ووضعنا حدود للشهوة الجامحة
والفروسية العمياء, ولفتنا يمنة يسرى وشرقا وغربا ونضرنا ابعد من ارنبة
الانوف .

19/ نوفمبر 2001م

عدن العاصمة


--
*(ابوسهيل2011*)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهداء الجنوب محافظة لحج ---

مسيرة الزحف الى عدن --- ردفان