حديث صريح.. إلى أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي (2-2)

الأربعاء 22 مايو 2013 05:29 مساءً   - احمد عمر بن فريد
الإهداء إلى الدكتور محمد المسفر.. المثقف الخليجي الأكثر تواضعا, والأكثر قربا من شأننا السياسي العام.. أهديك هذه الصورة لهذا الرجل المسن الذي افترش الأرض ليلة 21 مايو، وغير بعيد منه يستلقي المئات من أبنائه الجنوبيين في انتظار يوم "المليونية السابعة" في عدن (أقيمت أمس).. فقط تمعن في هذه الإرادة التي ترغب في أن تكون سيدة على أرضها.. فهل القومية العربية يا صديقي يمكن أن تغتصب إرادة شعب عربي في أن يشيد دولته الوطنية على أرضه؟!.   
في الجزء الأول من المقال, اجتهدنا باعتماد الصراحة والشجاعة, طرح جزء من الإشكالية في التعامل الخليجي معنا نحن في الجنوب ومع إخواننا في الشمال.. وفي هذا الجزء سوف نجتهد أيضا في طرح تصوراتنا لما هو مطلوب خليجيا إزاء قضيتنا الرئيسية "قضية الجنوب" من جانب وما هو مطلوب كبديل لسياسة "الوقاية" إزاء الشعبين الجارين في الجنوب وفي الشمال معا. منطلقين من إيمان عميق وراسخ أن الاستقرار والنماء والازدهار في هذه المنطقة الهامة جدا لا يمكن له أن يتحقق بمعزل عن مساهمة "قوية" و"مسئولة" من قبل الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي.. مساهمة تنفذ إلى طرح واعتماد حلول استراتيجية وليس ترقيعية كما يحدث حاليا أو كما حدث سابقا. 
ومن قبيل الصدفة وحدها أن أكتب هذا الجزء الأخير يوم 21 مايو.. ومئات الآلاف من أبناء الجنوب يحتشدون في مدينة عدن عاصمة دولة الجنوب, للاحتفال بذكرى فك الارتباط من عرى "وحدة الاحتلال" بعد أن تقاطروا إلى ساحة الحرية  بخورمكسر عدن من مختلف محافظات الجنوب للمرة السابعة على التوالي في مليونيات جماهيرية ذات إرادة شعبية صلبة, وفي حقيقة الأمر يمكننا أن نقول لكم بكل تواضع وفخر أن هذا الشعب العظيم الذي يمضي بصلابة لا تلين تجاه حقه المشروع في السيادة الكاملة على ترابه الوطني, يشكل أجمل اللوحات ويجترح أروع الملاحم التي يمكن من خلالها للشعب "وحده" أن يصنع تاريخا بنفسه ويحدد مستقبله بإرادته الحرة. مع علمنا اليقين أن "وسائل الإعلام العربي" والخليجي على وجه التحديد سوف تشيح بوجهها عما يفعله شعب الجنوب اليوم على أرضه من ملاحم وطنيه قل نظيرها في تاريخنا العربي السياسي الحديث.
وأمام هذا الوضع العام للمشهد السياسي في الجنوب وفي الشمال يمكن أن نتحدث عن مجموعة من الحقائق التي أعتقد أن "الاعتراف" بوجودها يعتبر من وجهة نظري الشخصية مسألة في غاية الأهمية للانتقال "الخليجي" في التعامل مع ملف هذه المنطقة من مرحلة السياسة "الوقائية – التكتيكية" إلى مرحلة السياسة ذات "الرؤية الاستراتيجية" البعيدة المدى.
الحقيقة الأولى: لا يمكن فرض "الوحدة" على شعب الجنوب بالقوة.
لو أن وسائل إعلامكم الهائلة المتمكنة تواجدت البارحة أو قبل البارحة في مدنية عدن لنقلت لكم حقيقة أن شعب الجنوب قد وصل إلى المرحلة التي يقطع فيها مئات الكيلومترات من مختلف المحافظات متجشما كل المتاعب والمشاق, من أجل "الالتحام الوطني" الجماعي في مدينة عدن لتجسيد إرادته في الحرية والاستقلال, ولشاهدتم أن هذا الشعب بات يلتحف السماء ويفترش الأرض ويتوسد أرصفة ساحة الحرية ممسكا بأقوى سلاح يمكن أن يملكه أي شعب في العالم لكي يصنع "الحقيقة" على أرضه.. ألا وهو سلاح الإرادة!.. غير أن هذه "الإرادة الشعبية" الجامحة لشعب الجنوب – مع الأسف الشديد – لا ترى من قبل عدسات وأقلام وتقارير وأخبار وسائل الإعلام في دولكم, وربما أن "السياسي الخليجي" لا يريد أو لا يرغب في رؤية "الحقيقة" على أرض الجنوب, أو لربما أن التقارير الإعلامية أو السياسية التي ترد إلى صناع القرار لا تريد أن تعترف بالحقيقة أو تقلل من أهميتها! لكن المهم في المسألة الخاصة بالوحدة التي ينبغي على "الشقيق الخليجي" أن يعيها جيدا أن الأخوة في صنعاء أو في دولة الجمهورية العربية اليمنية – سلطة ومعارضة – ومن مختلف المشارب السياسية قد رفعوا شعارا مميتا ومهلكا ونزقا.. وهو شعار "الوحدة أو الموت" في حين أن شعب الجنوب وأمس تحديدا قد أعلن هو الآخر شعارا مضادا وهو "الاستقلال أو الموت"!.. ولأن المسألة قد وصلت إلى هذا الحد, فلا بد من تدخل الشقيق الخليجي لفك ارتباط هذه المعادلة القاتلة.

الحقيقة الثانية: البغضاء حلت ما بين الشعبين في الشمال والجنوب.
يشعر الجنوبيون اليوم ببغض شديد لكلمة ومعنى "الوحدة" وللأسف الشديد أن هذا الشعور يمتد جماعيا إلى كل من يعتقدون أنه سبب في هذه الكارثة التي حلت بهم, فلا يشعر المواطن الشمالي المتواجد على أرض الجنوب بأنه موجود على أرض دولة ينتمي لها!.. ولا يشعر المواطن الجنوبي تجاه أخيه الشمالي بأي نوع من أنواع الود أو المحبة! وبلغ هذا الشعور السلبي حدا وصل إلى التصادم والعنف الذي نخشى أن تتوسع رقعته ويصل مداه حدودا غير حميدة ولا مستحبة.. ويبقى مبعث استغرابنا ودهشتنا أن "السياسة" في صنعاء تتجاهل هذه الحقيقة الأكيدة وتصر على وجود الوحدة! التي تتجسد حقيقتها البشعة في وجود "مصفحة عسكرية" تحمل علم الوحدة تجابه مواطنا جنوبيا يحمل علم الجنوب.. إن هذه الصورة تختزل اليوم حقيقة هذه الوحدة البشعة.

الحقيقة الثالثة: لا وجود للدولة.. (اليمن دولة فاشلة).
إن الوضع الذي يسود اليمن اليوم سواء في جنوبنا المحتل أو في الشمال هو وضع لم يسبق أن عاشته البلاد منذ عقود طويلة من حيث "الانفلات الأمني".. و"الفوضى العارمة".. ما يعني بصريح العبارة أن الدولة دخلت المرحلة المعروفة في التصنيف العالمي بـ"الدولة الفاشلة"! فهل يمكن أن يكون وجود دولة فاشلة إلى الحدود الجنوبية من الدول الخليجية مصدرا يبعث على "الطمأنينة" لديكم؟.. لا أعتقد.

أو هل يمكن القول أن تدهور الوضع إلى ما هو أسوأ من ذلك يمكن أن ينحصر في تداعياته على تلك المنطقة الجغرافية للجنوب وللشمال وسكانها فقط! أم أن امتدادا لذلك يمكن أن ينسحب أيضا إلى كل دول الجوار العربي بسهولة ويسر، خاصة حينما نأخذ بعين الاعتبار ما تبقى من الحقائق.

الحقيقة الرابعة: (الفوضى الخلاقة).. البيئة الخصبة للجماعات المتطرفة.
في يقيني الشخصي أن مصطلح "الفوضى الخلاقة" الذي أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس عقب تصريح سلفها كولن باول الشهير بضرورة تقسيم العالم العربي بما يخدم المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بات قيد التنفيذ حاليا! وأعتقد أيضا أنه ومن ضمن أهم وسائل تحقيق ذلك الاعتماد على حقيقة أن انتشار الفوضى الناتجة عن ضعف الدولة يمكن أن يؤدي إلى تعزيز نفوذ "القوى الإسلامية المتطرفة" وإلى خلق الحروب الطائفية أيضا. ونحن نشاهد هذا يحدث حاليا في سوريا وفي ليبيا وحتى في تونس وفي طريقه إلى مصر أيضا لا سمح الله.. كما حدث في العراق من قبل!.. في حين أن جميع المؤشرات الحالية تنبئ بإمكانية انتقال هذه الفوضى بمعززاتها إلى اليمن.. ومن هنا ندق جرس الإنذار وننبه إلى خطورة هذا الوضع حتى لا نصل إلى مرحلة تجوز فيها عبارة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" على الجميع بلا استثناء.

الحقيقة الخامسة: توجد مشاريع (إقليمية) و(دولية).. ولا وجود لمشروع عربي.
الحقيقة الوحيدة التي يجمع عليها العرب اليوم.. أن ثلاث دول إقليمية في الشرق الأوسط تملك مشاريع استراتيجية واضحة وهي ايران وتركيا واسرائيل بينما لا يوجد لدى المجموع العربي بشكل عام او الخليجي بشكل خاص اي مشروع استراتيجي من ذات النوعية والحجم!, والأكيد ايضا ان هذه المشاريع الثلاثة تتقاطع مع مشاريع دولية في المشرق وفي المغرب. ما يعني انه وفقا للنظرية السياسية والعلمية ان "الفراغ" لا بد أن يملأ.

وإزاء هذه الحقائق فإننا نعتقد ان ما هو مطلوب خليجيا تجاه هذه المنطقة الجغرافية المنكوبة الواقعة الى جنوب الجزيرة العربية يتركز في الاعتراف بهذه الحقائق والتعامل معها بواقعية لوقف تأثيرها وتداعياتها من خلال اعتماد "رؤية استراتيجية" وليست تكتيكية للتعامل مع الجنوب والشمال يمكن تلخيصها بما يلي:

أولا: الرتيب العالي المستوى لعقد مؤتمر (جنوبي – جنوبي) يشمل جميع القوى السياسية الجنوبية بلا استثناء, والإشراف على رعاية هذه القوى لتقديم رؤية سياسية موحدة تلبي مطالب شعب الجنوب في التحرير والاستقلال وتستجيب لهذه "الحقيقة الأكيدة" التي لا مجال لإنكارها او تحاشيها او الاستخفاف بها. ودعم هذا التوجه الاستقلالي باعتباره عاملا حاسما في استقرار المنطقة ككل, على ان يسفر هذا المؤتمر (الجنوبي – الجنوبي) الى طرح إجابات جنوبية واضحة لا تقبل الشك او التأويل جهة المسائل التالية:

1 –  شكل الدولة في الجنوب.
2 – شكل العلاقة مع دول الخليج العربي.. بما يقطع الشك باليقين بأن "دولة الجنوب" لن تكون إلا جزءا منسجما تماما مع المنظومة الخليجية على وجه الخصوص والعربية بشكل عام.
3 – شكل العلاقة مع دولة الشمال.. بما يؤكد على بناء علاقات اخوية متميزة في مجالات الاقتصاد والأمن على وجه التحديد.

ثانيا: الترتيب العالي المستوى ايضا لعقد مؤتمر (شمالي – شمالي) يشمل جميع القوى السياسية في الجمهورية العربية اليمنية, لتقديم رؤية سياسية موحدة لشكل الدولة في الشمال والاعتراف بفشل "الوحدة" مع الجوار العربي في الجنوب.. على ان يتمخض عن هذا المؤتمر ما كان مطلوبا من قبل "القوى الجنوبية".. مع امكانية ان يتزامن المؤتمران في فترة واحدة ومكان واحد, يعقب ذلك لقاء جامع لقوى الشمال والجنوب برعاية خليجية يتم فيه بشكل علني ورسمي وودي واخوي "انهاء الوحدة" طوعي.. ورفع علم الدولتين, وعودتهما إلى سابق عهدهما.

ثالثا: ان يتحمل الجوار الخليجي المسئولية التاريخية والاستراتيجية بطرح رؤيته السياسية والاقتصادية والامنية تجاه الدولتين, التي يمكن من خلالها عمليا "دمج" اقتصاديات الدولتين في الشمال وفي الجنوب ضمن الاقتصاد الخليجي, والتي تضمن ايضا حدوث تناغم سياسي وأمني تجاه مختلف التحديات الحالية والمستقبيلة. ويكون ذلك في مؤتمر شامل لدول الخليج العربي مع دولتي الجنوب والشمال معا.

هذه رؤية نطرحها هنا.. كبديل لمسار ترقيعي يحدث حاليا لا مجال البتة لنجاحه, وهي رؤية تبدو في مضمونها كـ"عناوين رئيسية" لمسار يحتاج الى ارادة صلبة, وعزيمة ماضية, وتواضع حقيقي يمكن ان يعترف بحقيقة أن لب الإشكالية يكمن في "فشل الوحدة" اليمنية, وعلى أن ارادة شعب الجنوب لا يمكن ان تكسر لتكون ممرا لحلول مؤقتة لن تلبث إلا أن تنفجر براكينها مرة اخرى.



تعليقات