الجنوبيون بين معاناة القهر الوحدوي والقهر السياسي د فضل الربيعي
حين يثور الشعب في الجنوب
ينادي في تمسكه بهويته الوطنية والمطالبة باستعادة سيادة دولة الجنوب المستقلة ،
فذلك لا يعني التخلي عن الهوية العربية الجامعة التي تجمعه مع دولة
الشمال وبقية الدول العربية .
كان الجنوب في الأصل دولة مستقلة
إلى قبل عشرين عام ، قبل دخوله في مشروع وحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية
الشعبية والجمهورية العربية اليمنية وأجهضت بالحرب عام 1994م ، وكانت جمهورية
اليمن الديمقراطية الشعبية حاضرة في الشأن العربي ومن أرضها انطلقت
الدعوات القومية في المراحل السابقة، وانفتحت دولة الجنوب على محيطها
العربي وعلاقاتها بالخارج اكثر من دولة " الشمال" الجمهورية
العربية اليمنية، وفي عدن عاصمة الدولة تواجدت ونشطت عدد من حركات التحرر العربية،
وفيها أقيم أول مهرجان لتأسيس الدولة الفلسطينية.
ان الجنوب في الأصل دولة
عرفت بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ثم اليمن الديمقراطية الشعبية ولم ترتبط
بدولة الشمال إلا في عام 1990 م عندما دخلت بمشروع وحدة بين الدولتين الجارتين وقد
فشلت هذه الوحدة كسابقاتها في المنطقة العربية ، لأنها لم تستند على اُسس علمية
بل قامت تحت تأثير الوعي الزائف الذي حملته الذهنية السياسية ، ويشير حليم بركات
إلى أن الحركات القومية وجدت نفسها تهتم تاريخياً بمبادئ العدالة الاجتماعية
ومفاهيمها بعد أن كانت تركز على التحرير والاستقلال وترسيخ الهوية القومية. وظل
الفكر الوحدوي بعيدا عن الواقع القطري ، ووقع الجنوبيون ضحية هذا الوعي
فذهبوا لوحدة لم تراعي التناقض والاختلال بين الشعبين والنظامين في اليمن فهم ضحية
الوعي القومي الوحدوي وضحية للصراع العالمي بين القطبين الذي انتهى بسقوط احدهما
الحليف للجنوب ، مثلت الوحدة في هذه الحالة فخ كبير نصب للجنوب بهدف الاستحواذ على
موارده ، وهذا أكدته كل الممارسات التي مارسها نظام صنعاء بعد الحرب فالحرب
قضت في الواقع وفي النفوس على الوحدة وحولتها إلى احتلال خلفّ الظلم والقهر و ضرب
الهوية الوطنية للجنوب وتجاه ذلك نما وعيا جديدا رافضا لهذا القهر والالغاء
إذ وجد الجنوبيون أنفسهم بين معاناة القهر الوحدوي والقهر الاجتماعي بين التحرر من
نظام صنعاء (نظام القوة ) وبين التحرر من الفكر الوحدوي الزائف الذي ولد الاستبداد
والفقر، لهذا تجدد الوعي المجتمعي الثوري في الجنوب الذي ينادي بالتحرير
والاستقلال فمثلما نادي بالأمس بالتحرر والاستقلال من الاستعمار الأجنبي هو اليوم
ينادي بالتحرير والاستقلال من احتلال نظام صنعاء أي الاحتلال باسم الوحدة ،
ربما ذلك قد خلق
التباس في الذهنية السياسية عند الإنسان العربي القومي الأمر الذي منع أي
تعاطف أو الوقوف مع نضال الشعب في الجنوب من قبل بعض الساسة والأنظمة العربية
وما يزيد من هذا الالتباس وغياب الموقف المساند لحق الشعب في الجنوب هو
طبيعة الأنظمة العربية الاستبدادية نفسها التي ترى بالثورات العربية خطرا يهدد
عرشها من ناحية ومن ناحية أخرى تخاف قيام حركات تمرد داخلها تطالب بالانفصال إلا
أن الحقيقة الغائبة أو المغيبة عند هؤلا هي أن وضع الجنوب ليس وضع داخلي كما هو في
أي دوله عربية أخرى، بل قضية الجنوب هي قضية وطن ؟ واقرب صورة لفهم الوضع في
الجنوب هي الحالة العراقية عندما تم عزو الكويت من قبل نظام صدام حسين (العراق) مع
الفارق بأن هذه الحالة لم تسبقها خديعة الوحدة بل تمت بصورة مباشرة ولان طرف دولي
كان رافضا لها وقف العرب مع شعب دولة الكويت وطرد المحتل العراقي من الكويت. أن ما
جرى في الجنوب اذا ما أخذناه بمعزل عن خديعة الوحدة 1990 وتعاملنا مع الوضع الذي
نشأ في 1994 فهو تماما كما حصل في الكويت عندما اجتاحته قوات العراق ونظام
صدام وسميت هذه بحالة الاجتياح أو الغزو ولو افترضنا عدم تدخل العالم
والبلدان العربية وبقى صدام في العراق لعمل ما عمله نظام صنعاء في الجنوب ، وهناك
نكته كانت تتداول في الجنوب بعد حرب 94 م بشكل سؤال ، يقول ما لفرق بين علي
صالح وصدام حسين؟؟ الفرق هو ان الأول دخل الجنوب ولم يخرج والثاني دخل
الكويت وخرج بسرعة .
لذا كان وما زال نظام
صنعاء الذي تمرس في سياسة المراوغة والكذب والتضليل على العالم استطاع
ان يصور للعالم وجود دولة عصرية في اليمن بينما في الواقع لم تنجح الدولة
السابقة في الشمال نفسه فالشمال مازال يراوح النزاع والتعايش بين الجماعات
الاجتماعية والطائفية والسياسية وهذا ما يفسر نشوب ستة حروب في صعده من 2004 إلى
2009 م وأخرها ذلك الصراع الذي بين أجنحت السلطة في عام 2011م والذي أزاح بصالح
كشخص وبقاء قوته ونظامه .
وفي الجنوب هناك
الحراك السلمي الشعبي المتصاعد الذي بدا بعد اجتياح نظام صنعاء للجنوب في 1994
والذي تجلى بصورة ثورة عارمة في العام 2007 سقط خلال الفترة الماضية الآلاف
من القتلى والجرحى برصاص النظام . قد لا يتصور الأخوة العرب حجم التدمير المتعمد
الذي مورس ضد الجنوب خلال السنوات الماضية بسبب عوامل عديدة ومنها العزلة والتعتيم
الاعلامي ربما ذلك كرس حالة الذهنية العربية الملتبسة بأن الأوضاع عادية خصوصا
عندما نجح نظام صنعاء في اللعب بأوراق عديدة لم ينتبه لها المراقب الخارجي
كموضوع القاعة والإرهاب .
ان نظام صنعاء الذي الغا الجنوب
تحت وحدة القوة وحاول تذويب الجنوب وانصهاره من خلال فرض ثقافة
الأكثرية العديد على الأقلية ، بينما الجنوب عبر تاريخه الطويل تفاعلت فيه عدد من
المقومات التي نتج عنها هوية تجسدت في دولته المستقلة الذي عمل نظام صنعاء
على إلغائها وعدم الاعتراف بالثنائية التعددية للهوية الجديدة للجمهورية اليمنية
وفرض هوية الطرف الواحد بوحدة القوة .
فقد جاء في بيان
المؤتمر القومي العربي الثاني المنعقد في عمان 1991 ان الوحدة العربية من حيث
المبدئ لا ينبغي فرضها بالقوة وان القسر اي كانت إشكاله عمل متعارض مع نموذج
الوحدة والديمقراطية المنشودة وأكد المؤتمر القومي الثالث في عام 1992 على تعزيز
الوحدة الوطنية على المستوى القطري لتسهم في إيجاد بنية ولادة الحركة العربية
الوحدوية الشاملة فوحدة المجتمع القطري مدخل لتحقيق وحدة الامة وهنا نجد الإشارة
إلى ان الجمهورية اليمنية كانت بيئة طاردة ومفتتة للمجتمع الأصلي اذ عمل نظام
صنعاء على تدمير البنى الاجتماعية وخلق الصراعات بين المجتمعات الأهلية بدلا من
تعزيز وحدته . وعليه لا مخرج للجنوبيين الا بعودة سيادة شعب الجنوب على أرضة
وبنا دولته المستقلة والتحرر من الفكر الوحدوي الزائف
تعليقات
إرسال تعليق