دعاء سويدان

لا يحتاج المرء إلى ذاكرة قوية حتى يستحضر صور اقتحام الإحتلال اليمني للمنازل في الجنوب، الفارق الزمني بين كل حادث ونظيره يكاد لا يكفي لمحو شريط وتسجيل آخر، هكذا يقتحم الجنود بكامل عتادهم العسكري المنازل الآمنة، ينتهكون حرماتها، يعبثون بمحتوياتها، يبثون في قلوب سكانها الرعب، ويقتادون بعضهم إلى المعتقلات.
الليل والنهار سواء، تواجد الأطفال والنساء وغيابهم سيان، المهم أن ترضي قوات الأمن المركزي والميليشيات المسلحة نزواتها بمداهمة الأحياء السكنية وترهيب أهلها. حتى الغزاة البرتغاليون والأحباش والإنكليز لم يفعلوا ذلك، لم يتجرأوا على استباحة البيوت والقلوب والأحلام، لكن عهد الإحتلال اليمني حافل بالإستثناءات والشذاذ وكسر القواعد وارتكاب المحظورات.
وفقا للمواثيق والإتفاقيات الدولية فإنه لا يجوز تعريض أحد للتدخل التحكمي في شؤون عائلته ومنزله، وتعتبر الحرمة الشخصية والحماية القانونية من التعديات حقا لكل فرد، كما يعتبر دخول المساكن أو فرض قيود على استعمالها أمرا غير مشروع، ويحق لأفراد الشعب أن يكونوا آمنين على أشخاصهم ومنازلهم وأوراقهم وحاجاتهم من أي تفتيش أو ضبط غير معقول أو إجرائه من دون ترخيص. حقوق يبدو أنها محظورة على الجنوبيين في ظل احتلال غريب لا يشبه إلا نفسه.
------------------
قالها جمال بن عمر، قالها أمام ممثلي المجتمعين الإقليمي والدولي، الشارع في الجنوب يسير نحو مزيد من الإحتقان ويدنو من نقطة تحول مدفوعا بالإستياء بعد أكثر من عقدين من المظالم المتراكمة والتهميش المنهجي.
الوعود لم تنفذ، التظاهرات المتدفقة إلى الشوارع تزداد منذ شهر فبراير الماضي، وعصيانات مدنية منظمة تشهدها محافظات الجنوب ويتخللها سقوط قتلى وجرحى، هذا ما أكده المبعوث الأممي جمال بن عمر في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن الدولي.
العالم يعترف إذا بجذور المشكلة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، يقر بحصول مجازر وإهمال وإقصاء متعمدين واغتيالات وتصفيات جسدية وعمليات تعذيب واضطهاد في الجنوب، يدرك تماما ما يشعر به الجنوبيون من مظلومية وما يرزحون تحته من قهر واستبداد، ويشدد على تقصي حقائق الإنتهاكات المرتكبة بحقهم.
وإذا كان العالم على معرفة تامة بذلك فلماذا لا يتدخل لإيقافه؟ ألا يستحق شعب الجنوب التفاتة ولو بسيطة إلى معاناته؟ متى سيحين موعد إحقاق الحق وإنصاف المظلوم؟ أسئلة كثيرة يطرحها الشارع الجنوبي اليوم.
هو على يقين بضرورة إجراء حوار جدي بين مختلف مكوناته، هو في حاجة ماسة إلى من يحميه من بطش الإحتلال ويوفر له الحد الأدنى من الحقوق الواجبة لسكان المناطق المحتلة، هو يريد الخروج من عنق الزجاجة والإنسحاب من الدوامة والتخلص من المستنقع، يريد الحوار لكن ليس أي حوار، حوارا نديا بين دولتين مستقلتين، فمتى سيبادر المتباكون على الأطلال والمجتهدون في لملمة مياة الوجه المتساقطة إلى إثبات جديتهم في حل القضية الجنوبية؟

تعليقات