العد التنازلي لإنفصال جنوب اليمن قد بدأ ... وصنعاء مازالت تُكابر--- د. شادي صالح علي باصُرة


اصبح المواطن الجنوبي في اليمن يكره الوحدة اليمنية بقدر كرهه للوضع المزرى في البلد. في الشمال يرى المواطن الفساد سبب رئيسي  للجهل والتخلف والفقر والذي دائما ما يربط بالمشايخ ومراكز القوة المتنفذة هناك. كل هذا يمكن تغييره بثورة "حقيقه" او حتى بعزرائيل. لكن الحال في الجنوب يختلف كثيرا فمع كل انقطاع للتيار الكهربائي وانقطاع كل قطرة مياه يراها الجنوبي قادمه من صنعاء ملبسه بثوب المتنفذ والمحُتل احيانا والمستمتع بخيراتهم بقوة العتاد والاعداد. قد لا تكون هذه النظرة صحيحه بمجملها, لكن الكثيرين باتوا يتفقون اليوم على استحالة محي هذا المفهوم دون حل جذري  يُغير من ملامح الدولة الحالية.                                              
جاءت ثورة فبراير2011 في اليمن واستبشر بها الجنوبيين كثيرا, لكنهم إلى اللحظة لم يلمسوا اي تغيير "حقيقي" في تعامل الشمال مع قضيتهم العادلة. فعلى الرغم من الدعم الدولي والاقليمي الغير المسبوق الذي يحظى به هادي الرئيس  الجنوبي والمؤقت و التوافقي , لم يُسمح له بممارسة صلاحياته الكاملة لتصحيح ولو لبعض اخطاء الماضي التي من الممكن معالجتها على نحو من السرعة, الامر الذي كان بمثابة فشل اختبار لنوايا نخب الشمال لطي صفحة الماضي المليئة بالإقصاء والتشكيك والتعامل الدوني للجنوبيين. اليوم وفي الوقت الذي يطالب الحراك باستعادة دولته في الجنوب وبكل وضوح من على طاولة الحوار في قلب صنعاء, لا نرى حلولا من القوى الحاكمة في الشمال لمعضلة الجنوب ولنرى رؤيه صريحه تتحدث عن مضمون الدولة القادمة. نسمع كلاما مطاطا عن اللامركزية لا يرتقي إلى حساسية المرحلة الراهنة.  الكل في الشمال يهرب إلى الحوار بدون اي اجنده واضحه المعالم وهو بمثابة تخطيط  للفشل دون ادنى  شك والذي نتمنى ان لا يكون مقصود.
اعترفت حكومة الثورة مؤخرا بتجنيد اكثر من 50000 الف جندي من "المحافظات الشمالية" ونحن في حال اقتصاديه مزريه ولا يمكن ان يكون بأي حال بادره للدولة المدنية الحديثة التي طالما تغنى بها الثوار اثناء ثورتهم. هكذا إجراء يجعل المواطن الجنوبي يتساءل لمن يُجند هؤلاء! ونحن قد انتصرنا على القاعدة كما تتحدث تقارير حكومة الثورة, ونحن في افضل حالاتنا مع جارتنا السعودية ودول المنطقة والعالم اجمع, بل ولا نبالغ إذا قلنا ان اليمن باتت اليوم تحت الوصاية الدولية. تجنيد هذا الكم في هذا الوقت وبهذا الشكل المناطقي لا يدل إلا على ان القوى المتنفذة في الشمال استفذت كل ما لديها من حلول واجتمعت على بقاء الحال على ما هو عليه بقوة العسكر وهو الخيار الذي اثبت فشلا ذريعا  منذ بداية ظهور الحراك الجنوبي في 2007. في العام 1994 كانت المعركة بين جيشين ، فهل سيقاتل الشمال اليوم شعب اعزل؟ بالعكس هكذا حل سيُرسخ نظرة المحتل الشمالي للجنوب  ويزيد السخط على الوحدة  وسيكون الانفصال عاجلا ام اجلا بطلب وضغط "شعبي" شمالي قبل ان يكون جنوبي ،لأن كلفة عدم الاستقرار باهضه جدا والتي سيكون ضحيتها المواطن المسكين في الشمال فهم يعلمون يقينا ان خيرات الجنوب لا يصل لهم منها إلا الفتات ومعظمها تصب في  جيوب القوة المتنفذة في صنعاء.
حتى لو فرضا جدلا   ان مستقبلا ورديا  ينتظر اليمن بعد الثورة وصدقنا التقارير الأمريكية الأخيرة والمباغتة” بأن اليمن "الشمالي" يقع على بحيرات من النفط وجبال من الذهب والتي لا نعلم الغرض منها اهو تشجيع للجنوبيين للبقاء في الوحدة ام مواساة للشمال في حال تقرر انفصال الجنوب!. في كل الحالات لن يغير الثراء شيء في المعادلة, والنتيجة المتوقعة عندها هو تضخم جيوب المتنفذين لا غير. ولنستوعب الدرس من العراق صاحبة اكبر مخزون نفطي في العالم فماذا تغير هناك منذ الغزو الامريكي للعراق في العام 2003. لأشيء بالعكس مخاوف تقسيم العراق اصبحت اليوم رغبات قابلة للتطبيق بل وبدعم نفس القوى الراعية للمبادرة الخليجية في اليمن والداعمة اليوم لوحدة اراضيه! على الشمال المضي نحو الفدرالية او حتى كونفدراليه كامله, و ليس بطريقة التذاكي التي يحاول البعض طرحها بالأقاليم المختلطة بين الشمال والجنوب, او بالاحتفاظ بالسلطات السيادية في الشمال. او بطريقة تفريخ نخب سياسيه جنوبيه مطيعه, او زرع الفتنه بين ابناء الجنوب وتقسيم المقسم. هذا الخلط للأوراق مكشوف و لا يصب في صالح احد ونفضل ان تنقسم اليمن إلى اكثر من دوله مع بقاءنا شعب واحد على ان نكون شعوب متناحرة  حبيسة شريط حدودي  واحد.
من الطبيعي ان تخاف القوى الحاكمة في صنعاء من حكم ذاتي يُمكن كل اقليم ان يحكم نفسه بشكل حقيقي الامر الذي يراه الكثيرين تمهيدا للانفصال وهذا امر جائز, لكننا يجب ان لا نتغافل عن الايجابيات التي ستطرأ عندما يحكم الجنوبيين انفسهم بشكل حقيقي. عندها فقط سيستفيد الشمال قبل الجنوب ، فالمنظومة المتنفذة في الشمال ستفقد الحبل السري المُغذي لها وبهذا ستخور قواها وهيمنتها على ابناء الشمال انفسهم التواقين للاستقرار والتنمية في مناطقهم. اما في الجانب المقابل سيعرف الجنوبيين الصعوبات الاقتصادية الحالية وحقيقة الموارد التي يمتلكوها, ولن تستطيع النخب الجنوبية تلبيس اي عجز بثوب شمالي. وسنرى المتصارعون اليوم على تحرير الجنوب يتصارعون غدا على حكم اقاليمهم وهذه ظاهره صحيه مادام وانهم مُنتخبين من ابناء تلك المناطق, و بشريطه ان لا يكونوا مزودين بخاصية استقبال موجات التحكم الكهرواحمرية القادمة من ربى صنعاء. فلا يمكن ترسيخ مفهوم الاحتلال الشمالي للجنوب في ظل دوله اتحاديه, فالجنوبيين رغم صدق قضيتهم وحجم معاناتهم الكبير يعلمون يقينا انهم ليسوا في صراع مع اسرائيل او شمال السودان. هم اخوه متشابهون في العادات والمذهب  فعدد شوافع الشمال يفوق عدد شعب الجنوب كله.
لا تملك القوى المتنفذة والحاكمة في الشمال اي خيارات كثيره سوى خيارين اما التمسك بكذبه الوحدة والحكم المحلي واسع الصلاحيات ذات ال 21 اقليم والذي يعني المجازفة بوحدة الارض والانسان او خيار الدولة الاتحادية من اقليمين كمرحله اختبار جديده. ان قبول العلاج المؤلم افضل بكثير من البتر وكما يقول المثل الحضرمي الشهير "إذا كان في التجارة خسارة فاترك التجارة تجارة". هل سوف يستوعب تجار ونُخب صنعاء هذا المثل  وخاصه المشبعون منهم إلى حد التخمة من حليب البقرة الجنوبية.
s.basurra@gmail.com
كلية الحاسوب, جامعة صنعاء



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الارهاب لعبة تجار الحروب!!

جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية